أولئك الأشراف، ولم يَقُل: الناس آمنون، فقالت العامّة: قد آمَن الناس كلهم إلّا هؤلاء النفَر، فأقبلوا إلى حُجْرته فلما اجتمعوا أمرَهم بوَضْع أسلِحتهم، ثم قال: لآمرن بكم اليومَ رجلًا ليس بينكم وبينه قرابة، فأمر بهم عُمارة بن تميم اللخميّ فقرّبهم فقتَلهم. (٦/ ٣٨١).
ورُوي عن النّضر بن شُميل، عن هشام بن حسّان، أنه قال: بلغ ما قَتَل الحجّاجُ صبرًا مئةً وعشرين، أو مئةً وثلاثين ألفًا. (٣/ ٣٨١ - ٣٨٢).
وقد ذُكر في هزيمة ابن الأشعث بمَسكِن قولٌ غيرُ الذي ذكره أبو مِخنَف؛ والذي ذُكِر من ذلك أنّ ابن الأشعث والحجّاج اجتمَعا بمَسكِن من أرض أبزقباذ، فكان عسكرُ ابن الأشعث على نهر يُدعَى خداش مؤخّر النهر، نهر تِيرَى، ونزل الحجاج على نهر أفريذ والعسكران جميعًا بين دِجلَة والسّيْب والكَرْخ، فاقتتَلوا شَهْرًا - وقيل: دون ذلك - ولم يكن الحجّاج يَعرِف إليهم طريقًا إلا الطريق الذي يلتَقُون فيه، فأتِيَ بشَيْخ كان راعيًا يُدعَى زَوْرقًا، فدلّه على طريق من وراء الكَرْخ طولُه ستّة فراسخ، في أجَمةٍ وضَحْضاح من الماء، فانتخب أربعة آلاف من جِلّة أهلِ الشام، وقال لقائدهم: لِيكُن هذا العِلْج أمامَك، وهذه أربعةُ آلاف دِرْهم معك، فإن أقامَكَ على عسكرهم فادفع المالَ إليه، وإن كان كَذِبًا فاضربْ عنقَه، فإن رأيتَهم فاحملْ عليهم فيمن معك، وليكنْ شعارُكم: يا حجّاج يا حجّاج. فانطلق القائدُ صلاةَ العصر، والتَقَى عسكرُ الحجاج وعسكرُ ابن الأشعث حين فَصَل القائد بمن معه، وذلك مع صلاة العصر، فاقتَتَلوا إلى الليل، فانكشف الحجّاج حتى عبر السِّيب - وكان قد عقده - ودخل ابنُ الأشعث عسكرَه فانتَهبَ ما فيه. فقيل له: لو اتبعتَهُ؟ فقال: قد تعِبنا ونَصِبْنا، فرَجَع إلى عسكرِه فألقَى أصحابُه السلاحَ، وباتوا آمِنين في أنفسِهم لهم الظَّفَر، وهجم القومُ عليهم نصفَ الليل يصيحون بشِعارهم، فجعل الرجلُ من أصحاب ابن الأشعث لا يدري أين يتوجّه! دُجَيل عن يساره ودِجلة أمامَه، ولها جُرْف منكَر، فكان من غَرق أكثر ممن قُتِل.
وسمع الحجاج الصوتَ فعبر السِّيبَ إلى عسكره، ثمّ وجّه خيلَه إلى القوم فالتقى العسكران على عسكر ابن الأشعث، وانحازَ في ثلاثمئة، فمضى على شاطئ دِجلةَ حتى أتى دُجَيلا فعبَره في السفن، وعَقَروا دوابَّهم، وانحدَروا في