للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وقال تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} {قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَينَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} وذلك أن فرعون كان جبارًا عنيدًا وشيطانا مريدا، له سلطان في بلاد مصر طويل عريض، وجاه وجنود، وعساكر وسطوة، فهاباه من حيث البشرية، وخافا أن يسطو عليهما في بادئ الأمر، فثبتهما تعالى وهو العلي الأعلى فقال: {لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (٤٦)} كما قال في الآية الأخرى { ... إِنَّا مَعَكُمُ مُّسْتَمِعُونَ}.
فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (٤٧) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَينَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} يذكر تعالى أنه أمرهما أن يذهبا إلى فرعون فيدعواه إلى الله تعالى أن يعبده وحده لا شريك له وأن يرسل معهما بيني إسرائيل ويطلقهم من أسره وقهره ولا يعذبهم. {قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ} وهو البرهان العظيم في العصا واليد، {وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} تقييد مفيد بليغ عظيم، ثم تهدداه وتوعداه على التكذيب فقالا: {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَينَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} أي كذب بالحق بقلبه، وتولى عن العمل بقالبه.
* * *

[اتصال موسى بفرعون]
وقال الله مخبرًا عن فرعون: {قَال فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى (٤٩) قَال رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (٥٠) قَال فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (٥١) قَال عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (٥٢) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (٥٣) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (٥٤) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: ٤٩ - ٥٥].
يقول تعالى مخبرًا عن فرعون: إنه أنكر إثبات الصانع تعالى قائلًا: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى (٤٩) قَال رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} أي هو الذي خلق الخلق وقدر لهم أعمالًا وأرزاقًا وآجالًا، وكتب ذلك عنده في كتابه اللوح المحفوظ، ثم هدى كل مخلوق إلى ما قدره له، فطابق عمله فيهم على الوجه الذي قدره وعلمه، وقدرته وقدره لكمال علمه، وهذه الآية كقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} أي قدر قدرًا وهدى الخلائق إليه.
{قَال فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} يقول فرعون لموسى: فإذا كان ربك هو الخالق المقدر الهادي الخلائق لما قدره، وهو بهذه المثابة من أنه لا يستحق العبادة سواه، فلم عبد الأولون غيره؟ وأشركوا به من الكواكب والأنداد ما قد علمت؟ فهلا اهتدى إلى ما ذكرته القرون الأولى؟ {قَال عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} أي هم وإن عبدوا غيره فليس ذلك بحجة لك، ولا يدل على خلاف ما أقول لأنهم جهلة مثلك، وكل شيء فعلوه مُسَطّر عليهم في الزبر، من صغير وكبير، وسيجزيهم على ذلك ربي عزَّ وجلَّ، ولا يظلم أحدًا مثقال ذرة، =

<<  <  ج: ص:  >  >>