ثمَّ دخلت سنة إحدى وتسعين ومئتين ذكر الخبر عما كان فيها من الأمور الجليلة
[[ذكر خبر الوقعة بين أصحاب السلطان وصاحب الشامة]]
فمن ذلك ما كان من أمر الوقعة بين أصحاب السلطان وصاحب الشامة (١).
ذكر الخبر عن هذه الوقعة:
قال أبو جعفر: قد مضى ذكرى شخوصَ المكتفي من مدينة السلام نحو صاحب الشامة لحربه ومصيره إلى الرّقة، وبثه جيوشَه فيما بين حلب وحِمْص، وتوليته حرب صاحب الشامة محمَّد بن سليمان الكاتب وتصييره أمْرَ جيشه وقوّاده إليه؛ فلما دخلت هذه السنة كتب وزيره القاسم بن عبيد الله إلى محمَّد بن سليمان وقوّاد السلطان يأمره وإيّاهم بمناهضة ذي الشامة وأصحابه، فساروا إليه حتى صاروا إلى موضع بينهم وبين حَماة - فيما قيل - اثنا عشر ميلًا، فلقُوا به أصحابَ القرمطي في يوم الثلاثاء لست خَلَوْن من المحرّم، وكان القرمطيّ قدم أصحابه، وتخلّف هو في جماعة من أصحابه، ومعه مالٌ قد كان جمعه، وجعل السَّواد وراءه، فالتحمت الحرب بين أصحاب السلطان وأصحاب القرمطي، واشتدّت، فهُزم أصحاب القرمطيّ، وقتِلوا وأسِرَ من رجالهم بشرٌ كثير، وتفرّق الباقون في البوادِي، وتَبِعهم أصحابُ السلطان ليلة الأربعاء لسبع خلوْن من المحرّم، فلمّا رأى القرمطيّ ما نزل بأصحابه من الفُلول والهزيمة حمّل - فيما قيل - أخًا له يكنى أبا الفضل مالًا، وتقدّم إليه أن يلحق بالبوادي إلى أن يظهر في موضع، فيصير إليه، وركب هو وابن عمّه المسمّى المدثّر والمطوّق صاحبه وغلام له روميّ وأخذ دليلًا، وسار يريد الكوفة عرضًا في البريّة، حتى انتهى إلى موضع يعرف بالدّاليّة من أعمال طريق الفُرات، فنفد ما كان معهم من الزّاد والعلف، فوجّه بعض من كان معه ليأخذ له ما يحتاجون إليه، فدخل الدالية المعروفة بدالية ابن طَوْق لشراءِ حاجِة، فأنكروا زيّه، وسُئِل عن أمره فمجمج،
(١) كذلك ذكر ابن الجوزي هذه الوقعة العظيمة ضمن أحداث سنة (٢٩١ هـ) وانظر تعليقنا الآتي.