فأعلِم المتولي مسلحة هذه الناحية بخبره، وهو رجل يعرف بأبي خُبْزَة خليفة أحمد بن محمَّد بن كُشَمْرد عامل أمير المؤمنين المكتفي على المعاون بالرّحبة وطريق الفرات، فركب في جماعة، وسأل هذا الرجل عن خبره، فأخبره أن الشامة خلف رابية هنالك في ثلاثة نفر.
فمضى إليهم، فأخذهم وصار بهم إلى صاحبه، فتوجّه بهم ابن كُشَمْرد وأبو خبزة إلى المكتفي بالرّقة، ورجعت الجيوش من الطلب بعد أن قتلوا وأسروا جميعَ مَنْ قدروا عليه من أولياء القرمطيّ وأشياعه، وكتب محمَّد بن سليمان إلى الوزير بالفتح:
بسم الله الرحمن الرحيم
قد تقدّمت كتبي إلى الوزير أعزه الله في خبر القرمطيّ اللعين وأشياعه؛ بما أرجو أن يكون قد وصل إن شاء الله، ولمّا كان في يوم الثلاثاء لست ليال خلون من المحرّم رحلتُ من الموضع المعروف بالقروانة نحو موضع يعرف بالعليانة في جميع العسكر من الأولياء، وزحفْنا بهم على مراتبهم في القلب والميمنة والميسرة وغير ذلك؛ فلم أبعد أن وافاني الخبر بأن الكافر القرمطيّ أنفذ النعمان ابن أخي إسماعيل بن النعمان أحد دعاته في ثلاثة آلاف فارس، وخلْق من الرّجّالة، وإنه نزل بموضع يعرف بتمنع، بينه وبين حماة اثنا عشر ميلًا، فاجتمع إليه جميع مَنْ كان بمعرّة النعمان وبناحية الفصيصيّ وسائر النواحي من الفرسان والرّجّالة، فأسررت ذلك عن القوّاد والناس جميعًا ولم أظهره، وسألتُ الدّليل الذي كان معي عن هذا الموضع، وكم بيننا وبينه، فذكر أنَّه ستة أميال، فتوكّلت على الله عزّ وجلّ، وتقدّمت إليه في المسير نحوه، فمال بالناس جميعًا، وسرنا حتى وافيتُ الكفرة، فوجدتهم على تعبئة، ورأينا طلائعهم، فلمّا نظروا إلينا مقبلين زحفوا نحونا، وسرنا إليهم، فافترقوا ستّة كراديس، وجعلوا على ميسرتهم - على ما أخبرني من ظفرتُ به من رؤسائهم - مسرورًا العُليصيّ وأبا الحمل وغلام هارون العُليصيّ، وأبا العذاب، ورجاء وصافي وأبا يعلى العلويّ، في ألف وخمسمئة فارس، وكمنوا كمينًا في أربعمئة فارس خلْف ميسرتهم بإزاء ميمنتنا، وجعلوا في القلب النعمان العُليصيّ والمعروف بأبي الحَطّي، والحماريّ وجماعة من بطلانهم في ألف وأربعمئة فارس وثلاثة آلاف