للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر خبر المثنى بن حارثة وأبي عبيد بن مسعود]

٩٤ - قال أبو جعفر: وقد مضى ذكري ما رُوي عن سيف، عَمَّن رَوى عنه؛ أنّ وقعة اليرموك كانتْ في سنة ثلاث عشرة؛ وأنَّ المسلمين وَرَد عليهم البريد بوفاة أبي بكر باليَرْموك، في اليوم الذي هُزِمت الروم في آخره، وأنّ عمر أمرهم بعد فراغهم من اليَرْموك بالمسير إلى دمشق، وزعم أنّ فِحْلًا كانت بعد دمشق؛ وأنّ


= والمتدبر للروايات التأريخية يتبيّن: أن حروب الردة وشراستها كانت تقتضي من القيادة الإسلامية في المدينة والمتمثلة بسيدنا أبي بكر رضي الله عنه أن تختار رجلًا عسكريًا شديدًا جدًّا نظرًا لخطورة الموقف وحراجته، وقد ارتدت الجزيرة جُلّها سوى مكة والمدينة وشيئًا مما حولهما- وكذلك بعد حروب الردة وبداية معارك الفتوح في العراق والشام، فلم يعهد المسلمون في معاركهم السابقة شراسة الفرس وطول صبرهم وكثرة عددهم، ولم يعهدوا كذلك جيوشًا نظامية هائلة الأعداد والعتاد كجيوش الروم، فكان لا بد أن يكون رأس الحربة رجالًا أشداء كخالد، كأنهم خلقوا للمجالدة والمبارزة واقتحام قلب العدو. ولكن الأمور اختلفت بعد فتح قسط كبير من بلاد الشام والعراق وأصبحت طوائف وأقوام كثيرة تحت حكم المسلمين فكان لا بد أن يروا بأم أعينهم رحمة الإسلام وشفقته ويده الحانية، فتألف قلوبهم الإسلام ويعتنقوه، فكان الرجل المناسب هو أبو عبيدة رضي الله عنه أمين هذه الأمة.
وإن كان خالد خلال تلك المعارك (كقائد ميداني) لم يبلغ في تقييمه للأمور سعة إدراك عمر كخليفة وكقائد عام لجميع الجيوش، فإن خالدًا رضي الله عنه قد أدرك في نهاية حياته ما أدركه عمر فأنصفه وتكلم بكلمات تُكمم أفواه المستشرقين وأعداء التأريخ الإسلامي. فقد أخرج ابن عساكر (ترجمة خالد) رحمه الله: دخل أبو الدرداء على خالدٍ في مرض موته، فقال له خالد: يا أبا الدرداء لئن مات عمر؛ لترين أمورًا تنكرها، فقال أبو الدرداء: وأنا والله أرى ذلك. فقال خالد: قد وجدت عليه في نفسي في أمور، لما تدبّرتها في مرضي هذا وحضرني من الله حاضر؛ عرفت أن عمر كان يريد الله بكل ما فعل، كنت وجدت عليه في نفسي حين بعث إليّ من يقاسمني مالي حتى أخذ فرد نعل وأخذت فرد نعل، ولكنه فعل ذلك بغيري من أهل السابقة وممن شهد بدرًا، وكان يغلظ عليّ، وكانت غلظته على غيري نحوًا من غلظته عليّ، وكنت أدلّ عليه بقرابته، فرأيته لا يبالي قريبًا ولا لوم لائم في غير الله. فذلك الذي أذهب عني ما كنت أجد عليه، وكان يكثر على عنده، وما كان ذلك إلا على النظر: فقد كنت في حرب ومكابدة وكنت شاهدًا وكان غائبًا، فكنت أعطي على ذلك، فخالفه ذلك من أمري.
[مختصر تأريخ دمشق لابن عساكر] (٨/ ٢٥) عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان به.

<<  <  ج: ص:  >  >>