وإن كان خالد خلال تلك المعارك (كقائد ميداني) لم يبلغ في تقييمه للأمور سعة إدراك عمر كخليفة وكقائد عام لجميع الجيوش، فإن خالدًا رضي الله عنه قد أدرك في نهاية حياته ما أدركه عمر فأنصفه وتكلم بكلمات تُكمم أفواه المستشرقين وأعداء التأريخ الإسلامي. فقد أخرج ابن عساكر (ترجمة خالد) رحمه الله: دخل أبو الدرداء على خالدٍ في مرض موته، فقال له خالد: يا أبا الدرداء لئن مات عمر؛ لترين أمورًا تنكرها، فقال أبو الدرداء: وأنا والله أرى ذلك. فقال خالد: قد وجدت عليه في نفسي في أمور، لما تدبّرتها في مرضي هذا وحضرني من الله حاضر؛ عرفت أن عمر كان يريد الله بكل ما فعل، كنت وجدت عليه في نفسي حين بعث إليّ من يقاسمني مالي حتى أخذ فرد نعل وأخذت فرد نعل، ولكنه فعل ذلك بغيري من أهل السابقة وممن شهد بدرًا، وكان يغلظ عليّ، وكانت غلظته على غيري نحوًا من غلظته عليّ، وكنت أدلّ عليه بقرابته، فرأيته لا يبالي قريبًا ولا لوم لائم في غير الله. فذلك الذي أذهب عني ما كنت أجد عليه، وكان يكثر على عنده، وما كان ذلك إلا على النظر: فقد كنت في حرب ومكابدة وكنت شاهدًا وكان غائبًا، فكنت أعطي على ذلك، فخالفه ذلك من أمري. [مختصر تأريخ دمشق لابن عساكر] (٨/ ٢٥) عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان به.