ذكر أن أبا إسحاق بن هارون الرشيد حجّ بالناس في سنة مائتين، فسار حتى دخل مكة، ومعه قوّاد كثير، فيهم حمدويه بن عليّ بن عيسى بن ماهان، وقد استعمله الحسن بن سهل على اليمن، ودخلوا مكة، وبها الجلوديّ في جنده وقواده، ووجه إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد العلويّ من اليمن راجلًا من ولد عَقيل بن أبي طالب، وأمره أن يحجّ بالناس، فلما صار العميليّ إلى بستان ابن عامر، بلغه أن أبا إسحاق بن هارون الرشيد قد ولي الموسم، وأن معه من القواد والجنود ما لا قبل لأحد به، فقام ببستان ابن عامر، فمرّت به قافلة من الحاجّ والتجار، فيها كسوة الكعبة وطيبها، فأخذ أموال التجار وكسوة الكعبة وطيبها، وقدم الحاج والتجار مكة عراة مسلّبين، فبلغ ذلك أبا إسحاق بن الرشيد وهو نازل بمكة في دار القوارير، فجمع إليه القوّاد فشاورهم، فقال له الجلوديّ - وذلك قبل التروية بيومين أو ثلاثة: أصلح الله الأمير! أنا أكفيكهم، أخرج إليهم في خمسين من نخبة أصحابي، وخمسين أنتخبهم من سائر القوّاد. فأجابوه إلى ذلك، فخرج الجُلوديّ في مائة حتى صبّح العقيليّ وأصحابه ببستان ابن عامر، فأحدق بهم، فأسر أكثرهم وهرب من هرب منهم يسعى على قدميه، فأخذ كسوة الكعبة إلّا شيئًا كان هرب به من هرب قبل ذلك بيوم واحد، وأخذ الطيب وأموال التجار والحافي، فوجّه به إلى مكة، ودعا بمَنْ أسر من أصحاب العقيليّ، فأمر بهم فقُنِّع كلّ رجل منهم عشرة أسواط، ثم قال: اعزبوا يا كلاب النار؛ فولله ما قتلكم وعِر، ولا في أسركم جمال. وخلّى سبيلَهم، فرجعوا إلى اليمن يستطعمون في الطريق حتى هلك أكثرهم جوعًا وعريًا.
وخالف ابن أبي سعيد على الحسن بن سهل، فبعث المأمون بسراج الخادم، وقال له: إن وضع عليّ يد الحسن أو شخص إليّ بمرْو وإلا فاضرب عنقه. فشخص إلى المأمون مع هرثمة بن أعين.
وفي هذه السنة شخص هرثمة في شهر ربيع الأول منها من معسكره إلى المأمون بمرو.