[[ذكر خبر انتقال المستعين إلى دار رزق الخادم بالرصافة]]
ولأيام خَلَوْن من ذي الحجة انتقل المستعين من دار محمد بن عبد الله، وركب منها، فصار إلى دار رزق الخادم في الرُّصافة، ومرّ بدار عليّ بن المعتصم، فخرج إليه عليّ، فسأله النزولَ عنده، فأمره بالرّكوب، فلما صار إلى دار رزق الخادم نزلها، فوصل إليها - فيما ذكر - مساء، فأمر للفرسان من الجند حين صار إليها بعشرة دنانير لكلّ فارس منهم، وبخمسة دنانير لكلّ راجل، وركب بركوب المستعين ابن طاهر، وبيده الحربة يسير بها بين يديه، والقوّاد خلفه، وأقام - فيما ذكر - مع المستعين ليلة انتقل إلى دار رزق محمد بن عبد الله إلى ثلث الليل؛ ثم انصرف، وبات عنده وصيف وبُغا حتى السَّحَر، ثم انصرفا إلى منازلهما.
ولمّا كان صبيحةُ الليلة التي انتقل المستعين فيها من دار ابن طاهر اجتمع الناس في الرُّصافة، وأمِر القوّاد وبنُو هاشم بالمصير إلى ابن طاهر والسلام عليه، وأن يسيرُوا معه إذا ركب إلى الرّصافة، فصاروا إليه؛ فلما كان الضحى الأكبر من ذلك اليوم، ركب ابن طاهر وجميع قوّاده في تعبئة وحوله ناشبة رجَّالة؛ فلما خرج من داره وقَف للناس، فعاتبهم وحلف أنه ما أضمر لأمير المؤمنين - أعزّه الله - ولا لوليّ له ولا لأحدٍ من الناس سوءًا، وأنه ما يريد إلَّا إصلاح أحوالهم، وما تدوم به النعمة عليهم، وأنهم قد توهّموا عليه ما لا يعرفه، حتى أبكى الناس، فدعا له مَنْ حضر، وعبر الجسر، وصار إلى المستعين، وبعث فأحضر جيرانه، ووجوه أهل الأرباض من الجانب الغربيّ، فخاطبهم بكلام عاتبهم فيه، واعتذر إليهم مما بلغهم، ووجَّه وصيف وبُغا مَنْ طاف على أبواب بغداد، ووكّلا صالح بن وصيف بباب الشّماسية.
وذُكر: أنّ المستعين كان كارهًا لنقله عن دار محمد؛ ولكنه انتقل عنها من أجل الناس ركبوا الزواريق بالنّفاطين ليضربوا روشن بن طاهر بالنار لمّا صَعُبَ عليهم فتحُ بابه يوم الجمعة.