واتّهمُوك على خليفتهم وأموالهم وأولادهم وأنفسهم؛ وسألوا إخراج الخليفة إليهم ليروْه ويكذّبوا ما بلغهم عنه، فلما تبين محمد بن عبد الله صحَّه قولهم، ونظر إلى كثرة اجتماع الناس وضجيجهم سأل المستعين الخروج إليهم، فخرج إلى دار العامة التي كان يدخلها جميعُ الناس، فنُصب له فيها كرسيٌّ وأدخل إليه جماعة من الناس فنظرُوا إليه، ثم خرجوا إلى من وراءهم؛ فأعلموهم صحّةَ أمره، فلم يقنعوا بذلك؛ فلما تبيّن له أنهم لا يسكنون دون أن يخرج إليهم - وقد كان عرف كثرة الناس - أمرَ بإغلاق الباب الحديد الخارج فأغلِق، وصار المستعين وأخواله ومحمد بن موسى المنجّم ومحمد بن عبد الله إلى الدرجة التي تُفضي إلى سطوح دار العامة وخزائن السلاح، ثم نصب لهم سلاليم على سطح المجلس الذي يجلس فيه محمد بن عبد الله والفتح بن سهل، فأشرف المستعين على الناس وعليه سَواد، وفوق السواد برْدة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومعه القضيب؛ فكلَّم الناس وناشدَهم، وسألهم بحقّ صاحب البردة إلَّا انصرفوا؛ فإنه في أمْن وسلامة، وإنه لا بأس عليه من محمد بن عبد الله، فسألوه الرُّكوب معهم والخروج من دار محمد بن عبد الله لأنهم لا يأمنونه عليه، فأعلمهم أنه على النقلة منها إلى دار عمته أمّ حبيب ابنة الرشيد؛ بعد أن يصبح له ما ينبغي أن يسكن فيه، وبعد أن يحوّل أمواله وخزائنه وسلاحه وفرشه وجميع ماله في دار محمد بن عبد الله؛ فانصرف أكثرُ الناس وسكن أهل بغداد.
ولما فعل أهل بغداد ما فعلوا من اجتماعهم على ابن طاهر مرّة بعد مرّة وإسماعهم إياه المكروه، تقدّم إلى أصحاب المعاون ببغداد بتسخير ما قَدرُوا عليه من الإبل والبغال والحمير لينتقل عنها.
وذكروا أنه أراد أن يقصد المدائن، واجتمع على بابه جماعة من مشايخ الحربية والأرباض جميعًا؛ يعتذرون إليه، ويسألونه الصَّفْح عمَّا كان منهم، ويذكرون أنّ الذي فعل ذلك الغوغاء والسُّفهاء لسوء الحال التي كانوا بها والفاقة التي نالتْهم، فردَّ عليهم - فيما ذكر - ردًّا جميلًا، وقال لهم قولًا حسنًا، وأثنى عليهم، وصفح عفا كان منهم، وتقدّم إليهم بالتقدّم إلى شبابهم وسفهائهم في الأخذِ على أيديهم وأجابهم إلى ترك النقْلة، وكتب إلى أصحاب المعاون بترك السخْرة.