للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر خبر دخول الموفّق مدينة صاحب الزنج]

وفيها دخل الموفّق مدينة الفاسق، وأحرق منازله من الجانب الشرقيّ من نهر أبي الخصيب.

* ذكر الخبر عن سبب وصوله إلى ذلك:

ذُكر أنّ أبا أحمد لما أراد ذلك بعد هدمه سورَ داره ذلك، أقام يصلح المسالك في جنبتي نهر أبي الخصيب وفي قصر الفاسق، ليتسع على المقاتلة الطريق في الدخول والخروج للحرب، وأمر بقلع باب قصر الخبيث الذي كان انتزعه من حصن أرْوَخ بالبصرة، فقُلع وحُمل إلى مدينة السلام، ثم رأى القصد لقطع الجسر الأوّل الذي كان على نهر أبي الخصيب، لما في ذلك من منع معاونة بعضهم بعضًا عند وقوع الحرب في نواحي عسكرهم، فأمر بإعداد سفينة كبيرة تُملأ قصبًا قد سُقِيَ النّفط، وأن يُنْصَب في وسط السفينة، دَقْلٌ طويل يمنعها من مجاوزة الجسر إذا لصقت به، وانتهز الفرصة في غفلة الفسقة وتفرُّقهم.

فلما وجد ذلك في آخر النهار قدِّمت السفينة، فجرَّها الشذا حتى وردت النهر، وأشعِل فيها النيران، وأرسِلت وقد قوى المدّ، فوافت القنطرة، ونَذِر الزَّنج بها، وتجمعوا وكثروا حتى ستروا الجسر وما يليه، وجعلوا يقذفون السفينة بالحجارة والآجرّ، ويهيلون عليها التراب، ويصبّون الماء، وغاص بعضهم فنقبها؛ وقد كانت أحرقت من الجسر شيئًا يسيرًا فأطفأه الفسقة، وغرّقوا السفينة وحازوها؛ فصارت في أيديهم.

فلما رأى أبو أحمد فعلَهم ذلك، عزم على مجاهدتهم على هذه الجسر حتى يقطعه، فسمّى لذلك قائدين من قوّاد غلمانه، وأمرهما بالعبور في جميع أصحابهما في السلاح الشاك واللأمة الحصينة والآلات المحكمة، وإعداد النفاطين والآلات التي تُقطع بها الجسور، فأمر أحد القائدين أن يقصد غربيَّ النهر، وجعل الآخر في شرقيّه، وركب الموفّق في مواليه وخدّامه وغلمانه الشَّذَوات والسُّميريّات، وقصد فُوّهَة نهر أبي الخصيب؛ وذلك في غداة يوم السبت لأربع عشرة ليلة خلت من شوّال سنة تسع وستين ومئتين، فسبق إلى الجسر القائد الذي كان أمِر بالقصد له من غربيّ نهر أبي الخصيب، فأوقع بمَن

<<  <  ج: ص:  >  >>