قلنا: والشجاعة وحدها لا تكفي في هذه المواقف بل يضاف إليها السياسة والحنكة والإقدام. خامسًا: لقد كان طرد بني أمية وأميرهم من المدينة خطأ سياسيًا فادحًا إذ ساعد ذلك في تجمعهم مع بعض في الشام الذي عرف أهله بمساندة بني أمية، ومن ثَمَّ جيَّشوا الجيوش وانطلقوا من هناك لحرب ابن الزبير رضي الله عنه. سادسًا: لقد تغير الناس عما كانوا عليه أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتوفي عدد كبير من الصحابة فكان لا بدَّ من ابن الزبير أن لا يحاسب الناس ويعاملهم كما يفعل مع نفسه من الشدة في العبادة والورع بل كان المتوقع أن يلين لهم ويعطيهم ويتحمل منهم الأذى ويتقبل المعارض بصدر رحب ويأتلف عوامهم وخواصهم، ولكنه لم يفعل بل آذى ابن الحنفية وابن عباس وحصرهما لأنهما لم يبايعيا له وذلك واضح في قول ابن عباس رضي الله عنه وهو يقارن بين معاوية رضي الله عنه وابن الزبير رضي الله عنه. قال ابن عباس رضي الله عنه: "ما رأيتُ رجلًا كان أخلق للملك من معاوية كان الناس يردون بيته على أرجاء وادٍ، ليس بالضعيف الحصر العصص المتعصب يعني ابن الزبير". أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح [المصنف (ح ٢٠٩٨٥)].
الردّ على شبهات أثارها الأستاذ أحمد شلبي (أستاذ التاريخ) حول شخصية عبد الله بن الزبير رضي الله عنه يصوّر لنا الأستاذ الشلبي غريزة حب السلطة الواضحة في شخصية ابن الزبير ولكن دونها عوائق وحواجز فبنو هاشم وبنو أمية أعرق محتدًا وأوسع جاهًا، وأكثر أنصارًا، ومن هنا دبَّ فيه عامل الغيظ (والكلام لأحمد شلبي) وإذا اجتمع الغيظ والذكاء والحرمان كانت النتيجة نارًا ملتهبة يمتد لهيبها فيحرق الكثيرين وهذا هو المفتاح الذي يبرز لنا حقيقة هذا الرجل طموح للرياسة وإدراك أن دونها عقبات وعجز عن مقابلة هذه العقبات وجهًا لوجه وحيل مختلفة فيها حنق وغيظ لإزالة هذه العقبات من طريقه. [التاريخ الإسلامي (٢) الدولة الأموية (٢١٨)]. قلنا: سبحان الله كيف سمح شلبي لنفسه أن يصف هذه الصحابي الجليل بهذه الأوصاف التي هي من نسج خياله، وخيال المتروكين الهالكين كأبي مخنف والواقدي. ولقد أكدت جميع المصادر التي ذكرنا أن معظم الأمصار والأجناد قد استجابوا لابن الزبير حين بويع بالخلافة سوى الجابية أو الأردن على خلاف بين المؤرخين وذكرنا كل ذلك في =