فأقام عنده مليًّا، ثم صار إلى الدّار، فاجتمع الموالي وسألوا ردّهما إلى مراتبهما، فأجِيبوا إلى ذلك، وبعث إليهما، فحضرا ورتّبا في مرتبتهما التي كانت قبل مصيرهما إلى بغداد، وأمر بردّ ضياعهما، وخلع عليهما خلع المرتبة، ثم ركب المعتزّ إلى دار العامة، وعقد لبُغا ووصيف على أعمالهما وردّ ديوان البريد كما كان قبل إلى موسى بن بغا الكبير، فقبل موسى ذلك.
* * *
[[ذكر الفتنة بين جند بغداد وأصحاب محمد بن عبد الله بن طاهر]]
وفي شهر رمضان من هذه السنة كانت وقعة بين جند بغداد وأصحاب محمد بن عبد الله بن طاهر، ورئيس الجند يومئذ ابن الخليل، وكان السبب في ذلك - فيما ذكر - أن المعتزّ كتب إلى محمد بن عبد الله في بيع غلّة طساسيج ضياع بادرويا وقُطْرُبّل ومَسْكِن وغيرها، كلّ كُرَّين بالمعدّل بخمسة وثلاثين دينارًا من غلّة سنة اثنتين وخمسين ومئتين، وكان المعتزّ ولّى بريد بغداد رجلًا يقال له: صالح بن الهيثم، وكان أخوه منقطعًا إلى أتامش أيام المتوكل، فارتفع أمرُ صالح هذا أيام المستعين؛ وكان ممن أقام بسامرّا؛ وهو من أهل المخرّم، وكان أبوه حائكًا ثم صار يبيع الغزْل؛ ثم انتقل أخوه إليه لمّا ارتفع، فلما أقدم ببغداد كُتِبَ إليه يُؤمر أن يقرأ الكتاب على قوّاد أهل بغداد كعتّاب بن عتاب ومحمد بن يحيى الواثقيّ ومحمد بن هرثمة ومحمد بن رجاء وشعيب بن عجيب ونظرائهم، فقرأه عليهم، فصاروا إلى محمد بن عبد الله، فأخبروه؛ فأمر محمد بن عبد الله فأحضر صالح بن الهيثم، وقال: ما حملك على هذا بغير علمي! وتهدّده وأسمعه، وقال للقوّاد: انتظروا حتى أرى رأي، وآمركم بما أعزم عليه، فانصرفوا من عنده على ذلك، وشخص بعد ذلك، واجتمع الفروض والشاكريّة والنائبة إلى باب محمد بن عبد الله يطلبون أرزاقهم لعشر خَلوْن من شهر رمضان؛ فأخبرهم أنّ كتاب الخليفة ورد عليه، جوابَ كتاب له كان كتب بمسألة أرزاق جند بغداد، إن كنتَ فرضت الفروض لنفسك، فأعطِهم أرزاقهم؛ وإن كنت فرضتَ لنا فلا حاجة لنا فيهم، فلما ورد الكتاب عليه أخرج لهم بعد شغَبهم بيوم ألفي دينار، فوُضعت لهم ثم سكنوا.