وصيف: أيّها الأمير، قد غدر القوم ونحن نُمسك ونقعد في منازلنا حتى يجيء مَنْ يقتلنا! وكانا دخلا مع جماعة، ثم رجعا إلى منازلهما، فجمعا جندهما ومواليَهما، وأخذا في الاستعداد وشِرَى السّلاح وتفريق الأموال في جيرانهما إلى سلخ ربيع، وكان وصيف وبُغا عند قدوم قُرْب وجَّه إليهما محمد بن عبد الله كاتبَه محمد بن عيسى، فأقبلا معه حتى صارا عند دار محمد بن عبد الله بقرْب الجسر، فلقيهما جعفر الكرديّ وابن خالد البرمكيّ؛ فتعلّق كلّ واحد منهما بلجام واحد منهما، وقال لهما: إنما دُعيتما لتحملا إلى العسكر؛ وقد أعدّ لكما لذلك قومٌ أو لتقتلا، فرجعا وجمعا جمعًا، وأجريا على كلّ رجل كلَّ يوم درهمين؛ فأقاما في منازلهما.
وكان وصيف وجّه أختَه سعاد إلى المؤيد، وكان المؤيّد في حِجْرها، فأخرجت من قصر وصيف ألف ألف دينار كانت مدفونة فيه؛ فدفعتها إلى المؤيّد؛ فكلّم المؤيد المعتزَّ في الرضا عن وصيف؛ فكتب إليه بالرضا عنه؛ فضرب مضاربه بباب الشمّاسيّة على أن يخرج، وتكلّم أبو أحمد بن المتوكل في الرضا عن بغا، فكتب إليه بالرّضا، واضطرب أمرهما وهما مقيمان ببغداد.
ثم اجتمع على المعتزّ الأتراك فسألوه الأمْرَ بإحضارهما، وقالوا: هما كبيرانا ورئيسانا؛ فكتب إليهما بذلك، فجاء بالكتاب بايكباك في نحو من ثلثمئة رجل؛ فأقام بالبرَدان، ووجّه إليهما الكتاب لسبع بقين من شهر رمضان من هذه السنة؛ فكتب إلى محمد بن عبد الله بِمنعهما، فوجَّها بكاتبيهما أحمد بن صالح ودُليل بن يعقوب إلى محمد بن عبد الله ليسأذناه؛ فأتاهما جيش من الأتراك، فنزلوا بالمصلَّى، وخرج وصيف وبُغا وأولادهما وفرسانهما في نحو من أربعمئة إنسان، وخلفَا في دورهما الثّقَل والعيال، ودعا أهل بغداد لهما ودعوْا لهم.
وقد كان ابن طاهر وجّه محمد بن يحيى الواثقيّ وبندار الطبريّ إلى باب الشماسيّة وباب البردَان ليمنعوهما، ومضيا من باب خراسان، ونفذا ولم يعلم كاتباهما حتى قال محمد بن عبد الله لأحمد ودُليل: ما صنع صاحباكما؟ فقال أحمد بن صالح: خلّفتُ وصيفًا في منزله، قال: فإنه قد شخص الساعة، قال: ما علمتُ؛ فلمّا صار إلى سامُرّا بكّر أحمد بن إسرائيل يوم الأحد لتسع بقين من شوّال من هذه السنة في السَّحَر إلى وصيف، وأقام عنده مليًّا، ثم انصرف إلى بُغا