وفيها توفِّيَ موسى الهادي بعيساباذ، واختُلف في السبب الذي كان به وفاته، فقال بعضهم: كانت وفاته من قُرْحة كانت في جوفه. وقال آخرون: كانت وفاته من قِبَل جوارٍ لأمِّه الخيزُران، كانت أمرتهنّ بقتله لأسباب نذكر بعضها.
* ذكر الخبر عن السبب الذي من أجله كانت أمرتهنّ بقتله:
* ذكر يحيى بن الحسن أن الهاديَ نابذَ أمه ونافرها، لمّا صارت إليه الخلافة، فصارت خالصةُ إليه يومًا، فقالت: إن أمّك تستكسيك، فأمر لها بخزانة مملوءة كسوة. قال: ووُجِد للخيزران في منزلها من قراقر الوشي ثمانية عشر ألف قَرْقر. قال: وكانت الخيزران في أوّل خلافة موسى تفتات عليه في أموره، وتسلك به مسلك أبيه من قبله في الاستبداد بالأمر والنهي، فأرسل إليها ألا تخرجِي من خفَر الكفاية إلى بذاذة التبذُّل، فإنه ليس من قَدْر النساء الاعتراض في أمر الملك، وعليكِ بصلاتك وتسبيحك وتبتُّلك، ولك بعد هذا طاعة مثلك فيما يجب لك. قال: وكانت الخيزُران في خلافة موسى كثيرًا ما تكلّمه في الحوائج، فكان يجيبها إلى كلِّ ما تسأله حتى مضى لذلك أربعة أشهر من خلافته، وانثال النَّاس عليها، وطمعوا فيها، فكانت المواكب تغدو إلى بابها، قال: فكلَّمتْه يومًا في أمرٍ لم يجد إلى إجابتها إليه سبيلًا، فاعتلّ بعلة، فقالت: لابدّ من إجابتي، قال: لا أفعل، قالت: فإني قد تضمّنت هذه الحاجة لعبد الله بن مالك. قال: فغضب موسى، وقال: ويل على ابن الفاعلة! ! قد علمتُ أنه صاحبها، والله لا قضيتها لك، قالت: إذًا والله لا أسألك حاجة أبدًا، قال: إذًا والله لا أبالي. وحمِيَ وغضب. فقامت مغضبة، فقال: مكانك تستوعي كلامي والله، وإلّا فأنا نفيّ من قرابتي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لئن بلغني أنه وقف ببابك أحد من قُوّادي أو أحد من خاصّتي أو خدمي لأَضربنّ عنقه، ولأقبضنّ ماله، فمن شاء فليلزم ذلك. ما هذه المواكب التي تغدو وتروح إلى بابك في كلّ يوم! أما لكِ مغزل يشغلك، أو مصحف يُذكرك، أو بيت يصونك! إياك ثم إياك، ما فتحتِ بابك لمليّ أو لذميّ، فانصرفت ما تعقل ما تطأ، فلم تنطق عنده بحُلْوة ولَا مُرّة بعدها.