للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= فعلهم. ولهذا ذهب من ذهب من العلماء إلى أن اللائط يرجم، سواء أكان محصنًا أو لا. ونص عليه الشافعي وأحمد بن حنبل وطائفة كثيرة من الأئمة. واحتجوا أيضًا بما رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به". وذهب أبو حنيفة إلى أن اللائط يلقى من شاهق جبل ويتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط، لقوله تعالى: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} (وانظر سنن أبي داود / كتاب الحدود / ح ٤٤٦٢).
وجعل الله مكان تلك البلاد بحيرة منتنة لا ينتفع بمائها، ولا بما حولها من الأرض المتاخمة لفنائها، لرداءتها ودناءتها، فصارت عبرة ومثلة وعظة وآية على قدرة الله تعالى وعظمته، وعزته في انتقامه ممن خالف أمره، وكذب رسله، واتبع هواه وعصى مولاه، ودليلًا على رحمته بعباده المؤمنين في إنجائه إياهم من المهلكات، وإخراجه إياهم من الظلمات إلى النور، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}. وقال الله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيحَةُ مُشْرِقِينَ (٧٣) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (٧٤) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (٧٦) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} أي من نظر بعين الفراسة والتوسم فيهم، كيف غير الله تلك البلاد وأهلها؟ وكيف جعلها بعدما كانت آهلة عامة هالكة غامرة؟
كما روى الترمذي وغيره مرفوعًا: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله" ثم قرأ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ}. وقوله: {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ} أي لبطريق مهيع مسلوك إلى الآن. كما قال: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}، وقال تعالى: {وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}، وقال تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيرَ بَيتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦) وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}.
أي: تركناها عبرة وعظة لمن خاف عذاب الآخرة، وخشي الرحمن بالغيب، وخاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فانزجر من محارم الله وترك معاصيه، وخاف أن يشابه قوم لوط. ومن تشبه بقوم فهو منهم، وإن لم يكن من كل وجه، فمن بعض الوجوه، كما قال بعضهم:
فإن لم تكونوا قوم لوط بعينهم ... فما قوم لوط منكم ببعيد

نَبيُّ اللهِ إبراهيم الخَليل عَلَيهِ السَّلام
[دعوته لأبيه]:
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
وكان أول دعوته لأبيه، وكان أبوه ممن يعبد الأصنام، لأنه أحق الناس بإخلاص النصيحة له =

<<  <  ج: ص:  >  >>