ثم ذكر له عظمة الرب وقدرته على خلق الأشياء، وجعله الأرض مهادًا والسماء سقفًا محفوظًا، وتسخيره السحاب والأمطار لرزق العباد ودوابهم وأنعامهم، كما قال: {كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى} أي لذوي العقول الصحيحة المستقيمة، والفطر القويمة غير السقيمة، فهو تعالى الخالق الرزاق، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٢١ - ٢٢]. ولما ذكر إحياء الأرض بالمطر، واهتزازها بإخراج نباتها فيه نبه به على المعاد فقال: {مِنْهَا} أي من الأرض ({مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} كما قال تعالى: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ}، وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الروم: ٢٧]. ثم قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرَينَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (٥٦) قَال أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَامُوسَى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَينَنَا وَبَينَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (٥٨) قَال مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى}. يخبر تعالى عن شقاء فرعون وكثرة جهله وقلة عقله، في تكذيبه بآيات الله واستكباره عن اتباعها، وقوله لموسى: إن هذا الذي جئت به سحر، ونحن نعارضك بمثله، ثم طلب من موسى أن يواعده إلى وقت معلوم ومكان معلوم. وكان هذا من أكبر مقاصد موسى - عليه السلام -: أن يظهر آيات الله وحججه وبراهينه جهرة بحضرة الناس. ولهذا {قَال مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ} وكان يوم عيد من أعيادهم ومجتمع لهم {وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} أي من أول النهار في وقت اشتداد ضياء الشمس، فيكون الحق أظهر وأجلى، ولم يطلب أن يكون ذلك ليلًا في ظلام، كما يروج عليهم محالًا وباطلًا، بل طلب أن يكون نهارًا جهرة، لأنه على بصيرة من ربه، ويقين بأن الله سيظهر كلمته ودينه، وإن رغمت أنوف القبط! . * * *
[موسى والسحرة]: قال الله تعالى: {فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيدَهُ ثُمَّ أَتَى (٦٠) قَال لَهُمْ مُوسَى وَيلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (٦١) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَينَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (٦٢) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (٦٣) فَأَجْمِعُوا كَيدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى} [سورة طه: ٦٠ - ٦٤]. يخبر تعالى عن فرعون أنه ذهب فجمع من كان ببلاده من السحرة، وكانت بلاد مصر في ذلك =