للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأسه، فأوثقه ذلك، وبعثت إلى القوم، فجاؤوا فأخذوه، فجدعوا أنفه وأذنيه، وفقؤوا عينيه، ووقفوه للناس بين ظهراني المئذنة -وكانت مئذنةً ذات أساطين، وكان ملكهم قد أشرف عليها بالناس لينظروا إلى شمسون، وما يصنع به- فدعا الله شمسون حين مثّلوا به ووقفوه أن يسلّطه عليهم، فأمر أن يأخذ بعمودين من عُمُد المئذنة التي عليها الملك والناس الذين معه فيجذبها، فجذبهما فردّ الله عليه بصرَه وما أصابوا من جسده، ووقعت المئذنة بالملك ومَنْ عليها من الناس؛ فهلكوا فيها هدْمًا (١) (٢: ٢٢/ ٢٣).

[ذكر خبر جرجيس]

٨١٥ - وكان جرجيس -فيما ذكر- عبدًا لله صالحًا من أهل فلسطين، ممَّن أدرك بقايا من حواريّي عيسى بن مريم، وكان تاجرًا يكسب بتجارته ما يستغني به عن الناس، ويعود بالفضل على أهل المسكنة. وإنّه تجهّز مرّة إلى ملك بالموْصل، كما حدَّثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلَمة عن ابن إسحاق، عن وهب بن منبّه وغيره من أهل العلم: أنه كان بالموصل داذانه، وكان قد ملك الأم كلّه، وكان جبّارَّا عَاتيًا لا يُطيقه إلا الله تعالى. وكان جرجيس رجلًا صالحًا من أهل فِلَسْطين، وكان مؤمنًا يكتم إيمانه في عصبة معه صالحين، يستخفّون بإيمانهم، وكانوا قد أدركوا بَقايا من الحواريِّين فسمعوا منهم، وأخذوا عنهم. وكان جرجيس كثيرَ المال، عظيم التجارة، عظيم الصَّدَقة، فكان يأتي عليه الزمان يُتْلِف ماله في الصَّدَقة حتى لايبقى منه شيء؛ حتى يصير فقيرًا، ثم يضرب الضَّرْبة فيصيب مثل ماله أضعافًا مضاعفة؛ فكانت هذه حاله في المال. وكان إنما يرغب في المال، ويعمّره ويكسبه من أجل الصَّدقة؛ لولا ذلك كان الفقرُ أحبَّ إليه من الغنى.

وكان لا يأمن ولايةَ المشركين عليه مخافةَ أن يُؤْذوه في دينه، أو يَفْتِنوه عنه، فخرج يؤمّ ملكَ الموصل، ومعه مالٌ يريد أن يُهديه له؛ لئلّا يجعل لأحد من تلك الملوك عليه سلطانًا دونه؛ فجاءه حين جاءه، وقد برز في مجلس له، وعنده عظماء قومه وملوكهم؛ وقد أوْقَد نارًا، وقرّب أصنافًا من أصناف العذاب الذي


(١) ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>