للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان يعذّب به مَنْ خالفه، وقد أمر بصنم يقال له: "أفلّون" فنُصب؛ فالناس يُعْرَضون عليه، فمن لم يسجدْ له ألقيَ في تلك النار، وعذِّب بأصناف ذلك العذاب، فلما رأى جرجيس ما يصنع؛ فَظِع به وأعظمه، وحدّث نفسه بجهاده، وألقى الله في نفسه بُغْضَه ومحاربتَه، فعمَد إلى المال الذي أراد أن يهديه له فقسَّمه في أهل مِلّته حتى لم يبق منه شيئًا؛ وكرِه أن يجاهده بالمال، وأحبَّ أن يَلِيَ ذلك بنفسه؛ فأقبل عليه عند ما كان أشدّ غضبًا وأسفًا، فقال له: اعلم أنّك عبد مملوك لا تملك لنفسك شيئًا ولا لغيرك، وأنّ فوقك ربًّا هو الذي يَملِكك وغيرَك، وهو الذي خلَقك ورزقك، وهو الذي يُحييك ويميتك، ويضرّك وينفعك، وأنت قد عمَدت إلى خلْق من خلقه قال له: كن فكان أصم أبكم، لا ينطق ولا يبصر ولا يسمع، ولا يضرّ ولا ينفع، ولا يغني عنك من الله شيئًا، فزيّنتَه بالذهب والفضة لتجعله فتنة للناس، ثم عبَدْته دون الله، وأجبرت عليه عباد الله، ودعوته ربًّا.

فكلّم الملكَ جرجيسُ بنحو هذا، في تعظيم الله وتمجيده، وتعريفه أمرَ الصنم، وأنّه لا تصلح عبادته. فكان من جواب الملك إياه مسألته إياه عنه، ومَنْ هو؟ ومن أين هو؟ فأجابه جرجيس أن قال: أنا عبد الله وابن عبده وابن أمَتِه، أذلُّ عباده وأفقرُهم إليه، من التراب خُلِقْت، وفيه أصير. وأخبره ما الذي جاء به وحاله. وإنّه دعا ذلك الملكَ جرجيسُ إلى عبادة الله ورفْض عبادة الأوثان. وإنّ الملك دعا جرجيسَ إلى عبادة الصنم الذي يعبده، وقال: لو كان ربُّك الذي تزعم أنه ملك الملوك كما تقول، لرُئيَ عليك أثره كما ترى أثرِي على من حولي من ملوك قومي.

فأجابه جرجيس بتمجيد الله وتعظيم أمره. وقال له -فيما قال: أين تجعل طرقبلينا، وما نال بولايتك؛ فإنه عظيم قومك، من إلياس، وما نال إلياس بولاية الله! فإنّ إلياس كان بدؤه آدميًّا يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق، فلم تَتنَاه به كرامة الله حتى أنبت له الريش، وألبسه النّور، فصار إنسيًّا ملكيًّا، سمائيًّا أرضيًّا؛ يطير مع الملائكة. وحدِّثْني؛ أين تجعل مجليطيس، وما نال بولايتك: فإنه عظيم قومك، من المسيح بن مريم وما نال بولاية الله! فإنّ الله فضّله على رجال العالمين، وجعله وأمّه آية للمعتبرين. ثم ذكر من أمرِ المسيح ما كان الله

<<  <  ج: ص:  >  >>