وفي هذه السنة كان ما كان من أمر يزيد بن مفرِّغ الحميريّ وعبّاد بن زياد وهجاء يزيد بني زياد.
ذكر سبب ذلك:
حدّثت عن أبي عُبيدة مَعمر بن المثنّى: أن يزيدَ بن ربيعة بن مفرِّغ الحِمْيَريّ كان مع عبّاد بن زياد بسِجستان، فاشتغل عنه بحرب التّرك، فاستبطأه، فأصاب الجند مع عبّاد ضِيقٌ في أعلاف دوابّهم، فقال ابنِ مفرِّغ:
ألا لَيْتَ اللِّحَى عادتْ حَشيشًا ... فنعْلِفها خُيُولَ المُسْلِمينَا!
وكان عتاد بن زياد عظيمَ اللحية، فأنهيَ شِعْرُه إلى عبّاد؛ وقيل: ما أراد غيرَك، فطلبه عبّاد، فهرب منه، وهجاه بقصائد كثيرة، فكان مما هجاه به قوله:
إذا أَوْدَى مُعاوية بنُ حَرْبٍ ... فبَشَرْ شعْبَ قعْبكَ بانصداع
فأَشْهدُ أنَّ أُمكَ لم تُباشِرْ ... أبا سُفيانَ واضعةَ القِناعِ
ولكِنْ كان أَمرًا فيه لَبْسٌ ... على وَجَلٍ شَديدٍ وارتياعِ
وقوله:
ألا أَبْلغْ مُعاويَة بن حَرْبٍ ... مُغَلْغَلةً من الرَّجُل اليماني
أتَغْضبُ أن يُقال أَبُوكَ عَفٌّ ... وتَرضَى أن يُقالَ أَبُوكَ زَانِ!
فأَشْهَد أنَّ رِحْمَكَ من زِيادٍ ... كرِحْم الفِيل من ولَدِ الأتان (١)
(٥: ٣١٧/ ٣١٨).
فحدثّني أبو زيد، قال: لما هجا ابن المفرِّغ عبّادًا فارقه مقبلًا إلى البَصرة، وعبيد الله يومئذ وافدٌ على معاوية، فكتب عبّاد إلى عُبيد الله ببعض ما هجاه به، فلمّا قرأ عُبيد الله الشعرَ دخل على معاوية فأنشده إياه، واستأذنه في قتل ابن مفرِّغ، فأبى عليه أن يقتلَه، وقال: أدِّبْه ولا تبلغ به القتل، وقدم ابن مفرِّغ
(١) بين الطبري وأبي عبيدة من لم يُسَمّ ثم ذكره أبو عبيدة بلا إسنادٍ والله أعلم.