وبعث رُوّادًا يرتادون له مَنزِلًا، وأمعن حتى نزل أطراف كسْكَر، فبينا هو في موضعِ واسِط إذا راهبٌ قد أقبل على حمار له وعبرَ دِجلةَ، فلما كان في موضع واسط تفاجّت الأتان فبالتْ، فنزل الراهبُ، فاحتفر ذلك البول، ثمّ احتمَله فرمى به في دجْلة، وذلك بِعَيْن الحجّاج، فقال: عليَّ به، فأتى به، فقال: ما حَملك على ما صنعتَ؟ قال: نجد في كُتُبنا أنه يبنى في هذا الموضع مَسجدٌ يُعبْد الله فيه ما دامَ في الأرض أحدٌ يوحِّده.
فاختطّ الحجّاج مدينةَ واسِطَ، وبَنَى المسجدَ في ذلك الموضع. (٦/ ٣٨٣ - ٣٨٤).
ثم دخلت سنة أربع وثمانين ذكر ما كان فيها من الأحداث خبر قتل الحجّاج أيوب بنَ القِرِّيَّة
وفيها قَتَل الحجّاجُ أيوبَ بن القِرِّيَّة، وكان ممن كان مع ابن الأشعث، وكان سبب قتله إياه - فيما ذُكِر - أنه كان يدخل على حَوْشب بن يزيد بعد انصرافه من دَيْر الجَماجم - وحَوْشب على الكوفة عامل للحجاج - فيقول حوْشب: انظروا إلى هذا الواقف معي، وغدًا أو بعدَ غد يأتي كتاب من الأمير لا أستطيع إلا نفاذَه، فبينا هو ذاتَ يوم واقف إذا أتاه كتاب من الحجّاج:
أما بعد فإنك قد صرت كَهْفًا لمُنافِقي أهلِ العراق ومأوىً، فإذا نظرتَ في كتابي هذا فابعثْ إليَّ بابن القِرّيَّة مشدودة يدُه إلى عنقه، مع ثقةٍ من قبَلك.
فلما قرأ حوشب الكتابَ رَمى به إليه، فقرأه فقال: سمعًا وطاعة؛ فبعث به إلى الحجاج مُوثَقًا، فلما دخل الحجّاج قال له: يا بن القِرِّيَّة، ما أعددتَ لهذا الموقف؟ قال: أصلح الله الأمير! ثلاثةَ حروف كأنهنَّ ركْبٌ وُقوف، دنيا، وآخرةٌ، ومعروف، قال: اخرج مما قلتَ، قال: أفعلُ، أما الدنيا فمالٌ حاضر، يأكلُ منه البرّ والفاجر، وأما الآخرة فميزان عادِل، ومَشهد ليس فيه باطل، وأما المعروف فإن كان عليّ اعترفتُ، وإن كان لي اغترفْتُ، قال: إمّا لا فاعترف بالسيف إذا وَقَع بك، قال: أصلح الله الأمير! أقِلْني عَثْرتي، وأسغني