عمرو بن حُرَيْث المخزوميّ فقال: إليّ وعلى سريري، فأجلسَه معه، ثم قال: أيّ الطعام أكلتَ أحبّ إليك وأشهى عندك؟ قال: عَناق حَمراء قد أجيد تمليحُها؛ وأحكِم نضجها، قال: ما صنعت شيئًا، فأين أنتَ من عُمْروس راضع قد أجيدَ سَمطُه، وأحكِم نُضجُه، اختلجت إليك رجْلهُ، فأتْبعتَها يدَه، غُذِي بشَرِيجَيْن من لبن وسمن، ثمّ جاءت الموائد فأكلوا، فقال عبدُ الملك بنُ مروان: ما ألذَّ عيشنا لو أنّ شيئًا يدوم! ولكنَّا كما قال الأول:
وكلّ جديدٍ يا أُمَيمَ إِلى بِلىً ... وكلُّ امرئٍ يَوْمًا يصيرُ إلى كان
فلما فرغ من الطعام طاف عبدُ الملك في القصر يقول لعَمرو بن حُرَيث: لِمَنْ هذا البيت؟ ومَنْ بَنَى هذا البيت؟ وعمرو يُخبِره، فقال عبدُ الملك:
وكلُّ جديدٍ يا أُمَيمَ إلى بِلىً ... وكلُّ امرئٍ يومًا يصيرُ إلى كان
ثمّ أتى مجلسَه فاستَلقى؛ وقال:
اعْمل على مَهَلٍ فإِنَّك مَيّتٌ ... واكدَحْ لنَفْسِك أَيّهَا الإِنسَانْ
فكأنَّ ما قد كان لم يكُ إذ مضى ... وكأنَّ ما هو كائنٌ قد كانْ
وفي هذه السنة افْتَتح عبدُ الملك - في قول الواقديّ - قَيْسارِيّة (٦/ ١٦٧).
ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين ذكر الخبر عمّا كان فيها من الأحداث الجليلة
قال أبو جعفر: فمن ذلك ما كان من أمر الخوارج وأمر المهلّب بن أبي صفرة وعبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسِيد.
ذكَر هشامُ بنُ محمَّد، عن أبي مِخنَف أنّ حَصِيرة بن عبد الله وأبا زُهير العبسيّ حدّثاه أنّ الأزارقة والمهلَّب بعدما اقتتلوا بسُولافَ ثمانيةَ أشهر أشدَّ القتال، أتاهم أنّ مصعب بن الزّبير قد قُتِل، فبلغ ذلك الخوارجَ قبل أن يبلغ المهلَّب وأصحابه، فناداهم الخوارجُ: ألا تُخبِروننا ما قولكم في مُصعَب؟ قالوا: إمام هُدىً؛ قالوا: فهو وليّكم في الدنيا والآخرة؟ قالوا: نعم، قالوا: وأنتم أولياءه أحياءً وأمواتًا؟ قالوا: ونحن أولياؤه أحياءً وأمواتًا؛ قالوا: فما قولُكم في عبد الملك بن مروان؟ قالوا: ذلك ابنُ اللَّعين، نحن إلى الله منه بُراء، هو عندنا أحلُّ دمًا منكم، قالوا: