فأنتم منه بُراء في الدّنيا والآخرة؟ قالوا: نعم كبراءتِنا منكم؛ قالوا: وأنتم له أعداءٌ أحياءً وأمواتًا؟ قالوا: نعم نحن له أعداء كعداوتِنا لكم، قالوا: فإن إمامَكم مُصعبًا قد قتله عبدُ الملك بنُ مروان، ونراكم ستَجعلون غدًا عبد الملك إمامكم، وأنتم الآن تتبرّؤون منه، وتلعَنون أباه! قالوا: كذبتم يا أعداء الله، فلما كان من الغد تبيّن لهم قتلُ مصعَب، فبايع المهلب الناس لعبد الملك بن مروان فأتتهم الخوارجُ فقالوا: ما تقولون في مصعَب؟ قالوا: يا أعداء الله، لا نخبركم ما قولنا فيه، وكرهوا أن يكذِّبوا أنفسَهم عندهم، قالوا: فقد أخبرتمونا أمسِ أنه وليّكم في الدنيا والآخرة وأنكم أولياءه أحياءً وأمواتًا، فأخبرونا ما قولكم في عبد الملك؟ قالوا: ذاك إمامنا وخليفتُنا - ولم يجدوا إذ بايعوه بُدًّا من أن يقولوا هذا القول - قالت لهم الأزارقة: يا أعداء الله. أنتم أمسِ تتبرّؤون منه في الدّنيا والآخرة، وتزعمون أنكم له أعداء أحياءً وأمواتًا، وهو اليوم إمامكم وخليفتُكم، وقد قتل إمامَكم الذي كنتم تولّونه! فأيهما المحِقّ، وأيهما المهتدي، وأيهما الضالّ! قالوا لهم: يا أعداء الله، رضينا بذاك إذ كان وليّ أمورنا، ونرضى بهذا كما رضينا بذاك، قالوا: لا والله ولكنكم إخوان الشياطين، وأولياء الظالمين، وعَبيدُ الدنيا! وبَعث عبدُ الملك بنُ مروان بشرَ بن مروان على الكوفة، وخالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد على البَصرة، فلما قدم خالد أثبت المهلب على خَراج الأهواز ومَعُونتها، وبعث عامر بن مِسْمع على سَابُور، ومُقاتِل بن مسمع على أرْدشِيرْ خُرَّه، ومِسمَع بن مالك بن مِسمَع على فَسَا ودرابْجِرْد، والمغيرة بن المهلب على إصطخر.
ثمّ إنه بعث إلى مُقاتِل فَبَعثَه على جيش، وألحَقَه بناحية عبد العزيز فخرج يطلب الأزارقة، فانحطّوا عليه من قِبلَ كَرْمان حتى أتَوْا دَرَابْجِرد، فسار نحوَهم، وبعث قَطَريّ مع صالح بن مخْراق تسعمئة فارس، فأقبَل يسيرُ بهم حتى استقبَل عبدَ العزيز وهو يسير بالناس ليلًا، يجرون على غير تعبية، فهزم الناس، ونزَل مُقاتِل بن مِسمَع فقاتل حتى قُتِل، وانهزم عبدُ العزيز بنُ عبد الله، وأخِذت امرأتُه ابنة المنذر بن الجارود، فأقيمت فيمن يزيد، فبلغت مئةَ ألف - وكانت جميلةً - فغار رجل من قومها كان من رؤوس الخوارج يقال له: أبو الحديد الشَّنِّيّ، فقال: تنحّوا هكذا، ما أرَى هذه المُشركة إلا قد فتنتْكم، فضرب