قالوا: خرج الساعة؛ قال: عليَّ به؛ فأحضِرَت الشُّرَط فقالوا له: أجب الأميرَ؛ فدفع فرسه ثم قال: أبلغوه أنِّي لا آتيه والله طائعًا أبدًا؛ ثم خرج حتى أتى منزل أحمر بن زياد الطائيّ فاجتمع إليه في منزله أصحابه، ثم خرج حتى أتى كربلاء فنظر إلى مصارع القوم، فاستغفر لهم هو وأصحابه، ثم مضى حتى نزل المدائن، وقال في ذلك:
يقولُ أمير غادرٌ حقَّ غادرٍ: ... ألَا كنتَ قاتَلْتَ الشهيد ابنَ فاطمةْ!
فيا نَدمي ألَّا أكونَ نصرتُهُ ... ألا كلُّ نفس لا تُسدّد نادِمَهْ
وإنِّي لأنِّي لم أكْن من حُماتِهِ ... لذُو حسرةٍ ما إن تفارق لازمَه
سَقَى الله أرواحَ الذين تأزّروا ... على نصرهِ سُقْيَا من الغيْثِ دائمهْ
وقفتُ على أجْداثِهمْ ومجالِهمْ ... فكاد الحَشَا ينفَضُّ والعينُ ساجمَه
لَعَمْري لقد كانوا مَصَالِيتَ في الوَغى ... سِراعًا إلى الَهيجا حُماةً خَضارمَهْ
تآسَوْا على نَصْر ابن بنتِ نبيِّهمْ ... بأسيافهمْ آسادَ غِيلٍ ضَراغِمَهْ
فإن يُقتلوا فكلُّ نفسٍ تقيَّةٍ ... على الأَرض قد أَضْحَت لذلك واجمَهْ
وما إن رأى الرَّاؤُون أفضل منهُمُ ... لدى الموتِ ساداتٍ وزُهْرًا قماقِمهْ
أتقتلهمْ ظلمًا وترجو ودادَنا ... فَدَع خُطَّةً ليست لنا بملائمهْ!
لعمري لقد راغَمتُمونا بقتلِهمْ ... فكم ناقِمٍ مِنَّا عليكم وناقِمَهْ
أهُمّ مِرارًا أن أَسِيرَ بجَحْفلٍ ... إلى فئةٍ زاغَّتْ عن الحقِّ ظالِمهْ
فكُفُّوا وإلَّا ذُدتُكمْ في كَتَائبٍ ... أشَدَّ عليكمْ من زُحُوفِ الديالِمَهْ (١)
(٤٦٩: ٥ - ٤٧٠)
ذكر خبر مقتل مرداس بن عمرو بن حُدَير
وفي هذه السنة قتِل أبو بلال مرداس بن عمرو بن حُدَير من ربيعة بن حنظلة.
ذكر سبب مقتله:
قال أبو جعفر الطبريّ: قد تقدم ذكر سبب خروجه، وما كان من توجيه عبيد الله بن زياد إليه أسلَم بن زُرعة الكلابيّ في ألفيْ رجل، والتقائهم بآسَك وهزيمة أسلم وجيشه منه ومن أصحابه فيما مضى من كتابنا هذا.
(١) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.