للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقبل أبو محْجَن حتى دخل من حيث خرج؛ ووضع عن نفسه وعن دابته، وأعاد رجلَيه في قيديه، وقال:

لقد علِمَتْ ثَقيفٌ غيرَ فَخْرٍ ... بأنّا نحن أكرَمُهم سُيُوفا

وأكثَرُهُمْ دروعًا سابغَاتٍ ... وأصبَرُهم إذا كَرِهوا الوُقُوفا

وأنّا وَفدُهم في كلّ يومٍ ... فإن عَمِيُوا فَسَل بِهِمُ عَرِيفا

وليلةَ قادِسٍ لم يَشْعُروا بي ... ولم أُشْعِرْ بمَخْرَجِيَ الزُّحُوفَا

فإِن أُحْبَسْ فذلكُمُ بلائي ... وإنْ أترَك أَذيقُهُمُ الحُتوفا

فقالت له سلْمى: يا أبا مِحْجَن! في أيّ شيء حبسك هذا الرجل؟ قال: أمَّا والله ما حبسني بحرام أكلته ولا شربته؛ ولكني كنت صاحبَ شراب في الجاهليَّة، وأنا امرؤ شاعر يدِبّ الشعر على لساني، يبعثه على شفتي أحيانًا، فيُساء لذلك ثنائي؛ ولذلك حبسني، قلت:

إذا مِتُّ فادْفِنِّي إلى أصل كَرْمَةٍ ... تُرَوِّي عِظامي بعد موتي عُرُوقها

ولا تَدْفِنِّي بالفَلاة فإِنني ... أخافُ إذا ما متُّ ألا أذوقها

وتُرَوِّي بخمر الحُصِّ لَحدِي فإنني ... أسيرٌ لها من بعدِ ما قد أسوقُها

ولم تزل سلْمى مغاضبة لسعد عشيَّة أرماث، وليلة الهدأة، وليلة السواد؛ حتى إذا أصبحتْ أتته وصالحتْه وأخبرته خبرها وخبر أبي محجن، فدعا به فأطلقه، وقال: اذهب فما أنا مؤاخذك بشيء تقوله حتى تفعله، قال: لا جَرَم، والله لا أجيب لساني على صفة قبيح أبدًا (١). (٣: ٥٤٧/ ٥٤٨ / ٥٤٩/ ٥٥٠).

يوم عِماس

١٣٣ - كتب إليَّ السريُّ بن يحيى عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد بإسنادهم، وابن مخراق عن رجل من طيّئ، قالوا: فأصبحوا من اليوم الثالث؛ وهم على مواقفهم؛ وأصبحت الأعاجم على مواقفهم، وأصبح ما بين النَّاس كالرِّجلة الحَمراء -يعني: الحَرَّة- ميل في عرض ما بين الصفين، وقد قتل


(١) إسناده ضعيف وسنتطرق إلى ذكر الروايات الصحيحة عند غير الطبري بعد قليل إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>