للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينْتَم الآخرون فلا توقظني، فإنَّهم على السَّواء فإن سمعتَهم ينتمون فأيقظِني؛ فإن انتماءهم عن السَّوء.

فقالوا: ولما اشتدّ القتال بالسواد، وكان أبو مِحْجَن قد حُبس وقُيّد، فهو في القصر، فصعد حين أمسى إلى سعد يستعفيه ويستقيله، فزبره وردّه، فنزل، فأتى سلْمَى بنت خَصَفة، فقال: يا سلمى يا بنت آل خَصَفة! هل لكِ إلى خير؟ قالت: وما ذاك؟ قال: تخلِّين عنِّي وتُعيرينني البَلقاء؛ فلله عليَّ إن سلَّمني الله أن أرجع إليكِ حتى أضعَ رجلي في قَيدي، فقالت: وما أنا وذاك! فرجع يرسُف في قيوده، ويقول:

كَفَى حَزَنًا أن تَرْدِيَ الخَيْلُ بالقَنا ... وأُترَكَ مشدودًا عليَّ وثاقيا

إذا قُمْتُ عَنَّاني الحديدُ وأُغلِقَتْ ... مصاريعُ دوني قد تُصِمُّ المُناديا

وقد كنتُ ذا مالٍ كثيرةٍ وإخْوَةٍ ... فقد تركوني واحدًا لا أخَا لِيَا

ولله عَهْدٌ لا أخيسُ بعهده ... لئن فُرِجَتْ ألَّا أزورَ الحوانيا

فقالت سَلْمى: إنِّي استخرتُ الله ورضيتُ بعهدك، فأطلقَتْه. وقالت: أمَّا الفَرَس فلا أعِيرها؛ ورجعتْ إلى بيتها، فاقتادها فأخرجها من باب القصر الذي يلِي الخندق فركبها؛ ثم دبّ عليها؛ حتى إذا كان بحيال الميمنة كبَّر، ثم حمل على ميسرة القَوم يلعب برمحه وسلاحه بين الصفَين؛ فقالوا: بسرجها، وقال سعيد والقاسم: عُرْيًا؛ ثم رجع من خلف المسلمين إلى الميسرة فكبَّر وحمل على ميمنة القوم يلعب بين الصّفَين برمحه وسلاحه، ثم رجع من خلْف المسلمين إلى القلب فندَر أمام النَّاس، فحمل على القوم يلعب بين الصّفّين برمحه وسلاحه؛ وكان يقصِف الناس ليلتئذٍ قصْفًا منكرًا وتعجَّب الناس منه وهم لا يعرفونه ولم يروْه من النَّهار، فقال بعضهم: أوائل أصحاب هاشم أو هاشم نفسه، وجعل سعد يقول وهو مُشرِف على النَّاس مُكِبّ من فوق القصر: والله لولا مَحْبس أبي مِحْجَن لقلتُ: هذا أبو مِحْجن وهذه البلقاء! وقال بعض الناس: إنْ كان الخَضِر يشهد الحروب فنظنّ صاحب البلقاء الخَضِر، وقال بعضهم: لولا أنّ الملائكة لا تُباشر القتال لقلنا: مَلَكٌ يثبِّتنا؛ ولا يذكره الناس ولا يأبهون له؛ لأنَّه بات في محبسه، فلما انتصف الليل حاجز أهل فارس، وتراجع المسلمون،

<<  <  ج: ص:  >  >>