للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حبيب بن صهبْان أبي مالك، قال: دفعنا إلى المدائن -يعني: بَهُرسير- وهي المدينة الدّنيا، فحصرنا ملكهم وأصحابه، حتى أكلوا الكلاب والسنانير. قال: ثمّ لم يدخلوا حتى ناداهم مناب: والله ما فيها أحدٌ! فدخلوها، وما فيها أحد (١). (٨: ٤).

[حديث المدائن القصوى التي كان فيها منزل كسرى]

٤١٨ - قال سيف: وذلك في صفر سنة ستّ عشرة، قالوا: ولما نزل سعد بَهُرسير -وهي المدينة الدنيا- طلب السفن ليعبرَ بالناس إلى المدينة القُصْوى، فلم يقدر على شيء، ووجدهم قد ضمّوا السفن، فأقاموا ببهرسير أيامًا من صَفر يريدونه على العبور فيمنعه الإبقاء على المسلمين، حتى أتاه أعلاج فدلُّوه على مخاضة تخاض إلى صُلْب الوادي، فأبى وتردّد عن ذلك، وفجِئهم المدّ، فرأى رؤيا: أنّ خيول المسلمين اقتحمتها فعبرت وقد أقبلت من المدّ بأمر عظيم؛ فعزم لتأويل رؤياه على العُبور، وفي سنة جَوْدُ صيفها متتابع. فجمع سعد الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: إنّ عدوّكم قد اعتصم منكم بهذا البحر، فلا تخلصون إليه معه، وهم يخلصون إليكم إذا شاؤوا، فيناوشونكم في سفنهم، وليس وراءكم شيء تخافون أن تُؤتَوْا منه، فقد كفاكموهم أهلُ الأيام، وعطّلوا ثغورَهم، وأفنَوْا ذادتهم، وقد رأيت من الرأي أن تبادروا جهاد العدو بنيَّاتكم قبل أن تحصركم الدّنيا، ألا إني قد عزمت على قطع هذا البحر إليهم. فقالوا جميعًا: عزم الله لنا ولك على الرُّشد، فافعل. فندب سعد الناس إلى العبور، ويقول: مَن يبدأ ويحمي لنا الفراض حتى تتلاحق به الناس لكيلا يمنعوهم من الخروج؟ فانتدب له عاصم بن عمرو ذو البأس، وانتدب بعده ستّمئة من أهل النَّجَدات، فاستعمل عليهم عاصمًا، فسار فيهم حتى وقف على شاطئ دجلة، وقال: مَن ينتدب معي لنمنع الفِراض من عدوّكم ولنحمِيَكم حتى تعبروا؟ فانتدب له ستون؛ منهم أصمُّ بني ولَّاد وشُرَحبيل، في أمثالهم، فجعلهم نصفين على خيول إناث وذُكور، ليكون أساسًا لعَوْم الخيل. ثم اقتحموا دجلة، واقتحم بقيّة الستمئة


(١) إسناده ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>