ذكر الخبر عمّا كان من أَمر نبيِّ الله - صلى الله عليه وسلم - عند ابتداء الله تعالى ذكره إيّاه بِإكرامه بِإرسال جبريل عليه السّلام إِليه بوحيه
٨ - قال أبو جعفر: قد ذكرنا قبلُ بعضَ الأخبار الواردة عن أوّل وقت مجيء جبريل نبينا محمّدًا - صلى الله عليه وسلم - بالوحْي من الله، وكم كان سنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يومئذ؛ ونذكر الآن صفة ابتداء جبريل إياه بالمصير إليه، وظهوره له بتنزيل ربّه.
فحدّثني أحمد بن عثمان المعروف بأبي الجوزاء، قال: حدَّثنا وهب بن جرير، قال: حدَّثنا أبي، قال: سمعتُ النُّعمان بن راشد، يحدّث عن الزّهريّ، عن عُرْوة، عن عائشة أنها قالت: كان أوّل ما ابتدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوَحْي الرؤيا الصادقة، كانت تجيء مثلَ فَلَق الصبْح، ثم حُبِّبَ إليه الخلاء، فكان بغار حراء يتحنَّث فيه الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله، ثم يرجع إلى أهله، فيتزوّد لمثلها؛ حتى فجأه الحقّ، فأتاه، فقال: يا محمّد، أنتَ رسول الله! قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فجثوْتُ لركبتي وأنا قائم، ثمّ زحفتُ ترجُفُ بوادِرِي، ثمّ دخلت على خديجة، فقلت: زمّلوني، زمّلوني! حتى ذهب عني الرَّوْع، ثم أتاني فقال: يا محمّد، أنت رسولُ الله. قال: فلقد هممت أن أطرَح نفسي من حَالِتي من جبل، فتبدَّى لي حين همصت بذلك، فقال: يا محمّد، أنا جبريل، وأنت رسول الله. ثم قال: اقرأ، قلت: ما أقرأ؟ قال: فأخذني فغطَّني ثلاث مرات، حتى بلغ منّي الجهد، ثم قال:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} فقرأتُ. فأتيتُ خديجة. فقلت: لقد أشفقتُ على نفسي، فأخبرتها خبرِي، فقالت: أبشِرْ، فوالله لا يُخزِيكَ الله أبدًا؛ ووالله إنّك لتَصِلُ الرَّحم، وتصدقُ الحديث، وتؤدّي الأمانة، وتحملُ الكَلَّ وتَقْرِي الضّيف، وتُعين على نوائب الحقّ، ثم انطلقتْ بي إلى ورقة بن نوفل بن أسد، قالت: اسمع من ابن أخيك، فسألني فأخبرته خبري، فقال: هذا الناموسُ الذي أنزل على موسى بن عمران، ليتني فيها جَذَعٌ! ليتني أكون حيًّا حينَ يخرجُك قومُك! قلت: أمُخْرِجيَّ هم؟ قال: نعم؛ إنه لم يجئ رجُلٌ قطُّ بما جئتَ به إلّا عُودِيَ، ولئن أدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزّرًا (١).
(١) إسناده ضعيف، والحديث صحيح ما عدا الزيادة: "ثم كان أول ما نزل عليَّ من القرآن .... {وَاللَّيلِ إِذَا سَجَى} ".