فانصرف، ومر بقوم من المسلمين فجرح ثلاث جراحات، وانهزم، وقتل من الروم - فيما ذكر أربعون ألفًا وسبعمائة وأخذ أربعة آلاف دابة.
وفيها رابط القاسم بن الرشيد بدابق.
وحج بالناس فيها الرشيد، فجعل طريقه إلى المدينة، فأعطى أهلها نصف العطاء؛ وهذه الحجَّة هي آخر حجة حجها الرشيد؛ فيما زعم الواقدي وغيره.
[ثم دخلت سنة تسع وثمانين ومائة ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث]
* * *
فمن ذلك ما كان من شخوص هارون الرشيد أمير المؤمنين فيها إلى الرّيّ (١).
ذكر الخبر عن سبب شخوصه إليها وما أحدث في خرجته تلك في سفره.
ذُكر أنّ الرشيد كان استشار يحيى بن خالد في تولية خُراسان عليّ بن عيسى بن ماهان، فأشار عليه ألّا يفعل، فخالفه الرّشيد في أمره، وولّاه إياها، فلما شَخَص عليّ بن عيسى إليها ظلم الناس، وعسَر عليهم، وجمع مالًا جليلًا، ووجّه إلى هارون منها هدايا لم يُرَ مثلها قطّ من الخيل والرقيق والثياب والمسك والأموال، فقعد هارون بالشمَّاسيَّة على دكان مرتفع حين وصل ما بعث به عليّ إليه، وأحضرِت تلك الهدايا فعرِضْت عليه، فعظمت في عينه، وجلّ عنده قدرُها، وإلى جانبه يحيى بن خالد، فقال له: يا أبا عليّ؛ هذا الذي أشَرْتَ علينا ألا نولِّيه هذا الثغر، فقد خالفناك فيه، فكان في خلافك البركة - وهو كالمازح معه إذ ذاك - فقد ترى ما أنتج رأينا فيه، وما كان من رأيك! فقال: يا أميرَ المؤمنين، جعلني الله فداك! أنا وإن كنت أحبّ أن أصيب في رأي وأوفّق في مشورتي، فأنا أحبّ من ذلك أن يكون رأي أمير المؤمنين أعْلى، وفراسته أثقب، وعلمه أكثر من علمي، ومعرفته فوق معرفتي، وما أحسن هذا وأكثره إن لم يكن وراءه ما يكره أمير المؤمنين، وما أسأل الله أن يعيذه ويُعفيه من سوء