منه العيَّار، فوقع في باريّته أو قريبًا منه؛ فيأخذه فيجعله في موضع من باريته، قد هيأه لذلك، وجعله شبيهًا بالجعبة. وجعل كلما وقع سهم أخذه، وصاح: دانق، أي ثمن النشابة دانق قد أحرزه؛ ولم يزل تلك حالة الخراساني وحال العيَّار حتى أنفذ الخراساني سهامه، ثم حمل على العيَّار ليضربه بسيفه؛ فأخرج من مخلاته حجرًا؛ فجعله في مقلاع ورماه فما أخطأ به عينه، ثم ثناه بآخر؛ فكاد يصرعه عن فرسه لولا تحاميه؛ وكرّ راجعًا وهو يقول: ليس هؤلاء بإنس؛ قال: فحدثت أن طاهرًا حدث بحديثه فاستضحك وأعفى الخراساني من الخروج إلى الحرب؛ فقال بعض شعراء بغداد في ذلك:
خرجت هذه الحروب رجالا ... لا لقحطانها ولا لنزار
معشرًا في جواشن الصوف يغدو ... ن إلى الحرب كالأسود الضَّواري
وعليهم مغافر الخوص تجزيـ ... هم عن البيض. والتِّراس البواري
ليس يدرون ما الفرار إذا الأبـ ... طال عاذوا من القنا بالفرار
واحد منهم يشد على ألـ ... فين عريان ماله من إزار
ويقول الفتى إذا طعن الطعـ ... نة: خذها من الفتى العيَّار
كم شريف قد أخملته وكم قد ... رفعت من مُقامرٍ طرَّار
* * *
[[ذكر خبر منع طاهر الملاحين من إدخال شيء إلى بغداد]]
[قال محمد بن جرير: وفي هذه السنة منع طاهر الملاحين وغيرهم من إدخال شيء إلى بغداد إلا إلى من كان من عسكره منهم، ووضع الرصيد عليهم بسبب ذلك].
[ذكر الخبر عما كان منه ومن أصحاب محمد المخلوع في ذلك]
وعن السبب الذي من أجله فعل ذلك طاهر:
أما السبب في ذلك فإنه - فيما ذكر - كان أنّ طاهرًا لما قتل من قتل في قصر صالح من أصحابه، ونالهم فيه من الجراح ما نالهم، مضه ذلك وشق عليه؛ لأنه