أصحاب طاهر ومثل أصحاب الهرش وذويه ومثل الناس إذا تخلصوا، مثل السور الذي قال الله تعالى ذكره: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد: ١٣].
فلما طال علي الناس ما بلوا به ساءت حالهم وضاقوا به ذرعًا؛ وفي ذلك يقول بعض فتيان بغداد:
بكيت دمًا على بغدادَ لمَّا ... فَقَدتُ غَضَارة العيشِ الأنيقِ
تبدلنا همومًا من سرور ... ومن سَعَةٍ تبدَّلنا بضيقِ
أصابتها من الحُسَّادِ عينٌ ... فأفنَت أهلها بالمنجنيقِ
فقوم أُحْرِقُوا بالنار قسرًا ... ونائحةٌ تنوحُ على غريقِ
وصائحةٌ تنادي واصباحًا ... وباكية لفقدان الشفيق
وحوراء المدامع ذات دل ... مضمخة المجاسد بالخلوق
تفرُّ من الحريق إلى انتهابٍ ... ووالِدها يفرُّ إلى الحريقِ
وسالبةُ الغزالةِ مقلتَيْهَا ... مضاحكُها كلأَلأَةِ البرُوقِ
حيارى كالهدايا مُفْكِراتٌ ... عليهنَّ القلائدُ في الحُلوقِ
ينادين الشفيق ولا شفيقٌ ... وقد فُقِدَ الشقيق من الشقيقِ
وقومٌ أخرجُوا من ظلِّ دُنيا ... متاعُهُمُ يُباعُ بكلِّ سوقِ
ومغتربٌ قريب الدارِ مُلقىً ... بلا رأس بقارعة الطريقِ
توسَّط مِنْ قتالهمُ جميعًا ... فما يدرون مِنْ أيِّ الفريقِ
فلا ولد يقيم على أبيه ... وقد هرب الصديق بلا صديقِ
ومهما أنس من شيءٍ تولَّى ... فإنِّي ذاكرٌ دار الرَّقيقِ
وذكر أن قائدًا من قواد أهل خراسان ممن كان مع طاهر من أهل النجدة والبأس، خرج يومًا إلى القتال، فنظر إلى قوم عراة، لا سلاح معهم، فقال لأصحابه: ما يقاتلنا إلا من أرى؛ استهانة بأمرهم واحتقارًا لهم؛ فقيل له: نعم هؤلاء الذين ترى هم الآفة؛ فقال: أف لكم حين تنكصون عن هؤلاء وتخيمون عنهم، وأنتم في السلاح الظاهر، والعدة والقوة؛ ولكم ما لكم من الشجاعة والنجدة! وما عسى أن يبلغ كيد من أرى من هؤلاء ولا سلاح معهم ولا عدة لهم ولا جنة تقيهمَّ فأوتر قوسه وتقدم، وأبصره بعضهم فقصد نحوه وفي يده بارية مقيَّرة، وتحت إبطه مخلاة فيها حجارة، فجعل الخراساني كلما رمى بسهم استتر