فأكثرت الشعراء فيها القول من الشعر، وذكر ما كان فيها من شدة الحرب. وقال فيها الغوغاء والرعاء، وكان مما قيل في ذلك قول الخليع:
أمين الله ثق بالله ... تعط الصَّبر والنُّصرة
كل الأمر إلى الله ... كلاك الله ذو القدرة
لنا النَّصر بعون الله ... والكرَّة لا الفرَّة
وللمرَّاق أعداء ... ك يوم السوء والدَّبره
وكأس تلفظ الموت ... كريهٍ طعمها مرَّه
سقينا وسقيناهم ... ولكن بهم الحِرّه
كذاك الحرب أحيانًا ... علينا ولنا مرَّه
فذكر عن بعض الأبناء أن طاهرًا بثَّ رسله، وكتب إلى القوّاد والهاشميين وغيرهم بعد أن حاز ضياعهم وغلاتهم يدعوهم إلى الأمان والدخول في خلع محمد والبيعة للمأمون؛ فلحق به جماعة، منهم عبد الله بن حميد بن قحطبة الطائي وإخوته، وولد الحسن بن قحطبة ويحيى بن علي بن ماهان ومحمد بن أبي العاص، وكاتبه قوم من القوّاد والهاشميين في السرّ، وصارت قلوبهم وأهواؤهم معه.
قال: ولما كانت وقعة قصر صالح أقبل محمد على اللهو والشرب، ووكل الأمر إلى محمد بن عيسى بن نهيك وإلى الهرش؛ فوضعا مما يليهما من الدروب والأبواب وكلاهما بأبواب المدينة والأرباض وسوق الكرخ. وفرض دجلة وباب المحول والكناسة؛ فكان لصوصها وفساقها يسلبون من قدروا عليه من الرِّجال والنساء والضعفاء من أهل الملة والذمة؛ فكان منهم في ذلك ما لم يبلغنا أن مثله كان في شيء من سائر بلاد الحروب.
قال: ولما طال ذلك بالناس، وضاقت بغداد بأهلها، خرج عنها من كانت به قوة بعد الغرم الفادح والمضايقة الموجعة والخطر العظيم؛ فأخذ طاهر أصحابه بخلاف ذلك، واشتد فيه، وغلظ على أهل الريب. وأمر محمد بن أبي خالد بحفظ الضعفاء والنساء وتجويزهم وتسهيل أمرهم؛ فكان الرجل والمرأة إذا تخلص من أيدي أصحاب الهرش، وصار إلى أصحاب طاهر ذهب عنه الروع وأمن، وأظهرت المرأة ما معها من ذهب وفضة أو متاع أو بزّ؛ حتى قيل: إن مثل