جعلان وكان مخلَّفًا مع بغراج في عسكره، فأمر بقلع المضارب وتقديمها مع الدوابّ المخلّفة قِبَله والسلاح إلى بردودا، فأظهر جعلان ما أمر به في وقت العشاء الآخرة، ونادى في العسكر والناس غارّون، فألقِي في قلوبهم أن ذلك لهزيمة كانت، فخرجوا على وجوههم، وترك الناس أسواقَهم وأمتعتَهم، ظنًّا منهم أن العدوّ قد أظلّهم، ولم يلوِ منهم أحد على أحد، وقصدوا قصد الرجوع إلى عسكرهم ببردودا، وساروا في سواد ليلتهم تلك، ثم ظهر لهم بعد ذلك حقيقة الخبر، فسكنوا واطمأنّوا (١).
وفي صفر من هذه السنة كان بين أصحاب كَيْغَلغ التركيّ وأصحاب أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف وقْعة بناحية قَرْماسين، فهزمهم كَيْغَلَغ، وصار إلى هَمْذان، فوافاه أحمد بن عبد العزيز فيمن قد اجتمع من أصحابه في صفر، فحاربه، فانهزم كَيغَلغ، وانحاز إلى الصّيْمَرَة.
* * *
وفي هذه السنة لثلاث بَقِين من شهر ربيع الآخر دخل أبو أحمد وأصحابه طَهِيثا، وأخرجوا منها سليمان بن جامع، وقُتِل بها أحمد بن مهديّ الجبّاليّ.
* * *
ذكر الخبر عن سبب دخول أبي أحمد وأصحابه طَهِيثا ومقتل الجبائيّ
ذكر محمد بن الحسن: أن محمد بن حماد حدّثه أن أبا أحمد لما أعطى أصحابه ببردودا، فأصلح ما أراد إصلاحه من عُدّةِ حرب مَنْ قصد لحربه في مخرجه؛ سار متوجّهًا إلى طهِيثا؛ وذلك يوم الأحد لعشر بقين من شهر ربيع الآخر سنة سبع وستين ومئتين، وكان مسيره على الظهر في خَيْله.
(١) لعبور الموفق إلى مدينة صاحب الزنج انظر المنتظم [٢/ ٢١٢] فقد ذكر خلاصة الخبر الذي استغرق هنا الصفحات (٥٩٤ - ٥٩٩) وانظر البداية والنهاية [٨/ ٢٤١]، فقد اختصر الحافظ ابن كثير هذه التفاصيل عن عبور أو مسير أحمد الموفق إلى مدينة المختارة (مدينة صاحب الزنج في جنوب العراق).