للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر عن محمَّد بن عبد الله مولى بني هاشم، قال: أخبرني رجل من العلماء وأهل الأدب، قال: هتف بأبي جعفر هاتف من قصره بالمدينة فسمعه يقول:

أَما وربِّ السُّكونِ والحَرَكِ ... إِنَّ المنايا كثيرةُ الشَّرَكِ

عليكِ يا نفسُ إِن أَسأْتِ وِإنْ ... أَحْسَنْتِ بالقَصْدِ، كلُّ ذاكَ لَكِ

ما اخْتلَفَ اللَّيلُ والنهارُ ولَا ... دارَت نُجومُ السماء في الفَلَكِ

إِلا بِنَقْلِ السُّلْطان عن مَلكٍ ... إِذا انقضَى مُلكهُ إِلى مَلِكِ

حتَّى يصيرَا به إلى مَلِكٍ ... ما عِزُّ سُلطانه بِمُشتَرَكِ

ذاك بديعُ السماء والأَرض والمُرْ ... سِي الجبالِ المُسخِّرُ الفلَكِ

فقال أبو جعفر: هذا والله أوان أجَلِي.

وذكر عبد الله بن عبيد الله، أنّ عبد العزيز بن مُسلم حدّثه أنَّه قال: دخلت على المنصور يومًا أسلِّم عليه؛ فإذا هو باهت لا يُحير جوابًا، فوثبت لما أرى منه، أريد الانصراف عنه، فقال لي بعد ساعة: إنِّي رأيت فيما يرى النائم؛ كأن رجلًا ينشدني هذه الأبيات:

أأُخَيَّ أَخفِض مِن مُنَاكا ... فكأَنَّ يَوْمَكَ قد أَتَاكَا

ولقد أَرَاك الدَّهْرُ مِنْ ... تَصرِيفِه ما قَدْ أَراكَا

فإِذا أَرَدْتَ النَّاقِصَ الـ ... ـعبدَ الذَّلِيلَ فأَنت ذَاكَا

مُلِّكْتَ ما مُلِّكْتَهُ ... والأَمرُ فيه إِلى سِوَاكَا

فهذا الذي ترى من قلقي وغَمِّي لما سمعت ورأيت. فقلت: خيرًا رأيتَ يا أمير المؤمنين. فلم يلبث إلى أن خرج إلى الحجّ فمات لوجهه ذاك.

* * *

ذكر الخبر عن صفة العقد الذي عُقِد للمهديّ بالخلافة حين مات والده المنصور بمكة

ذكر عليّ بن محمَّد النوفليّ أن أباه حدّثه، قال: خرجت في السنة التي مات فيها أبو جعفر من طريق البصرة، وكان أبو جعفر خرج على طريق الكوفة، فلقيتُه بذات عِرْق، ثم سرت معه، فكان كلَّما ركب عرضتُ له فسلّمت عليه،

<<  <  ج: ص:  >  >>