وذكر عمر بن شبّة عن سعيد بن هريم، قال: لما حجّ المنصور في السنة التي تُوفّيَ فيها شيّعه المهديّ، فقال: يابنيّ، إنِّي قد جمعت لك من الأموال ما لم يجمعه خليفة قبلي، وجمعت لك من الموالي ما لم يجمعه خليفة قبلي، وبنيت لك مدينة لم يكن في الإسلام مثلها؛ ولست أخاف عليك إلَّا أحدَ رجلين: عيسى بن موسى، وعيسى بن زيد؛ فأمَّا عيسى بن موسى فقد أعطاني من العهود والمواثيق ما قبلتُه، ووالله لو لم يكن إلَّا أن يقول قولًا لما خفتُه عليك، فأخرجه من قلبك. وأمَّا عيسى بن زيد فأنفِق هذه الأموال واقتل هؤلاء الموالي، واهدم هذه المدينة حتَّى تظفر به، ثم لا ألومك (١).
وذكر عيسى بن محمَّد أنّ موسى بن هارون حدّثه، قال: لما دخل المنصور آخرَ منزل نزَله من طريق مكّة، نظر في صدر البيت الذي نزل فيه، فإذا فيه مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم.
أَبا جعفرٍ حانَتْ وَفاتُكَ وانقَضَتْ ... سِنُوك، وأَمرُ الله لا بدَّ واقعُ
أَبا جعفر هل كاهن أَو مُنجّم ... لك اليومَ من حَرّ المَنِيَّة مانعُ!
قال: فدعا بالمتولي لإصلاح المنازل، فقال له: ألم آمرك ألّا يدخل المنزل أحدٌ من الدّعّار! قال: يا أميرَ المؤمنين؛ والله ما دخلها أحد منذ فُرغ منها، فقال: اقرأ ما في صدر البيت مكتوبًا، قال: ما أرى شيئًا يا أميرَ المؤمنين، قال: فدعا برئيس الحجَبة، فقال: اقرأ ما على صدر البيت مكتوبًا، قال: ما أرى على صدر البيت شيئًا، فأملى البيتين فكُتِبا عنه، فالتفت إلى حاجبه فقال: اقرأ لي آية من كتاب الله جلّ وعز تشوّقني إلى الله عزّ وجلّ، فتلا:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}، فأمر بفكَّيْه فوُجئا. وقال: ما وجدت شيئًا تقرؤه غير هذه الآية! فقال: يا أميرَ المؤمنين، مُحِي القرآن من قلبي غير هذه الآية، فأمر بالرّحيل عن ذلك المنزل تطيُّرًا مما كان، وركب فرسًا، فلما كان في الوادي الذي يقال له سَقَر - وكان آخر منزل بطريق مكّة - كبا به الفرس، فدقّ ظهره، ومات فدفن ببئر ميمون.
(١) سعد بن هريم مجهول والخبر لا يصح. والمتتبع لروايات الطبري يرى أنَّها تشبه مثيلاتها من الرِّوايات المختلقة حول وصايا الخلفاء لأبنائهم والله أعلم.