وقال في موضع آخر: وهذا القدر صرح ابن عباس برفعه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه إشعار بأن جميع الحديث مرفوع (فتح الباري ٧/ ٥٤). وعند أهل التوراة أن الله أمر إبراهيم بأن يختن ولده إسماعيل وكل من عنده من العبيد وغيرهم فختنهم، وذلك بعد مضي تسع وتسعين سنة من عمره، فيكون عمر إسماعيل يومئذ ثلاث عشرة سنة، وهذا امتثال لأمر الله عزَّ وجلَّ في أهله، فيدل على أنه فعله على وجه الوجوب. ولهذا كان الصحيح من أقوال العلماء أنه واجب على الرجال، كما هو مقرر في موضعه. وقد ثبت في الحديث الذي رواه البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن القرشي، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اختتن إبراهيم النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه السلام - وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم". تابعه عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي الزناد، وتابعه عجلان، عن أبي هريرة، ورواه محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة وهكذا رواه مسلم عن قتيبة. وفي بعض الألفاظ: "اختتن إبراهيم بعدما أتت عليه ثمانون سنة واختتن بالقدوم"، والقدوم هو الآلة، وقيل: موضع. وهذا اللفظ لا ينافي الزيادة على الثمانين .. والله أعلم، لما سيأتي من الحديث عند ذكر وفاته، عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "اختتن إبراهيم وهو ابن مئة وعشرين سنة، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة". رواه ابن حبان في صحيحه. وليس في هذا السياق ذكر قصة الذبيح وأنه إسماعيل، ولم يذكر في قدمات إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث مرات: أولاهن بعد أن تزوج إسماعيل بعد موت هاجر، وكيف تركهم من حين صغر الولد -على ما ذكر- إلى حين تزويجه لا ينظر في حالهم، وقد ذكر أن الأرض كانت تطوى لهم، وقيل: إنه كان يركب البراق إذا سار إليهم، فكيف يختلف عن مطالعة حالهم وهم في غاية الضرورة الشديدة والحاجة الأكيدة؟ ! وكأن بعض هذا السياق متلقى من الإسرائيليات ومطرز بشيء من المرفوعات، ولم يذكر فيه قصة الذبيح، وقد دللنا على أن الذبيح هو إسماعيل على الصحيح في سورة الصافات.