للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الصَّالِحِينَ (١١٢) وَبَارَكْنَا عَلَيهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ} [الصافات: ٩٩ - ١١٣].
يذكر تعالى عن خليله إبراهيم أنه لما هاجر من بلاد قومه، سأل ربه أن يهب له ولدًا صالحًا، فبشره الله بغلام حليم، وهو إسماعيل - عليه السلام -، وهذا ما لا خلاف فيه بين أهل الملل، لأنه أول ولده وبكره.
وقوله: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} أي شب وصار يسعى في مصالحه كأبيه. قال مجاهد: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} أي شب وارتحل وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل. فلما كان هذا، رأى إبراهيم - عليه السلام - في المنام أنه يؤمر بذبح ولده هذا، وفي الحديث عن ابن عباس مرفوعًا: "رؤيا الأنبياء وحي".
وهذا اختيار من الله عزَّ وجلَّ لخليله في أن يذبح هذا الولد العزيز الذي جاءه على كبر، وقد طعن في السن، بعدما أمر بأن يسكنه هو وأمه في بلاد قفر، وواد ليس به حسيس ولا أنيس، ولا زرع ولا ضرع. فامتثل أمر الله في ذلك، وتركهما هناك ثقة بالله وتوكلًا عليه، فجعل الله لهما فرجًا ومخرجًا، ورزقهما من حيث لا يحتسبان.
ثم لما أُمر بعد هذا كله بذبح ولده هذا الذي قد أفرده عن أمر ربه، وهو بكره ووحيده الذي ليس له غيره، أجاب ربه وامتثل أمره، وسارع إلى طاعته. ثم عرض ذلك على ولده ليكون أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قسرًا ويذيحه قهرًا: {قَال يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى}. فبادر الغلام الحليم، سر والده الخليل إبراهيم، فقال: {يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} وهذا الجواب في غاية السداد والطاعة للوالد ولرب العباد.
قال الله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} قبل: "أسلما" أي استسلما لأمر الله وعزما على ذلك. وقيل: وهذا من المقدم والمؤخر، والمعنى "تلَّه للجبين" أي ألقاه على وجهه.
فعند ذلك نودي من الله عزَّ وجلَّ: {أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} أي قد حصل المقصود من اختبارك وطاعتك، ومبادرتك إلى أمر ربك، وبذلت ولدك للقربان، كما سمحت ببدنك للنيران، وكما مالك مبذول للضيفان! ولهذا قال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} أي الاختبار الظاهر البين.
وقوله: {وَفَدَينَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} أي جعلناه فداء ذبح ولده ما يسره الله تعالى له من العوض عنه.
والمشهور عن الجمهور أنه كبش ثم ذكر ابن كثير بعض الروايات في وصف الكبش.
ثم قال: ثم غالب ما هاهنا من الآثار مأخوذ من الإسرائيليات. وفي القرآن كفاية عما جرى من الأمر العظيم، والاختبار الباهر، وأنه فُدي بذبح عظيم، وقد ورد في الحديث أنه كان كبشًا.
قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان، حدثنا منصور، عن خاله نافع، عن صفية بنت شيبة =

<<  <  ج: ص:  >  >>