قال سفيان: لم يزل قرنا الكبش معلقين في البيت حتى احترق البيت فاحترقا. وكذا روي عن ابن عباس أن رأس الكبش لم يزل معلقًا عند ميزاب الكعبة حتى يبس. وهذا وحده دليل على أن الذبيح إسماعيل، لأنه كان هو المقيم بمكة، وإسحاق لا نعلم أنه قدمها في حال صغره .. والله أعلم. وهذا هو الظاهر من القرآن، بل كأنه نص على أن الذبيح هو إسماعيل، لأنه ذكر قصة الذبيح ثم قال بعده: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} ومن جعله حالًا فقد تكلف، ومستنده أنَّه إسحاق إنما هو إسرائيليات، وكتابهم فيه تحريف، ولا سيما هاهنا قطعًا لا محيد عنه، فإن عندهم أن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه ووحيده، وفي نسخة من المعربة: بكره إسحاق، بلفظة إسحاق هاهنا مقحمة مكذوبة مفتراة، لأنه ليس هو الوحيد ولا البكر إنما ذاك إسماعيل. وإنما حملهم على هذا حسد العرب، فإن إسماعيل أبو العرب الذين يسكنون الحجاز الذين منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإسحاق والد يعقوب -وهو إسرائيل- الذي ينتسبون إليه، فأرادوا أن يجرّوا هذا الشرف إليهم، فحرفوا كلام الله وزادوا فيه وهم قوم بهت ولم يقروا بأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء. وقد قال بأنه إسحاق طائفة كثيرة من السلف وغيرهم، وإنما أخذوه -والله أعلم- من كعب الأحبار، أو من صحف أهل الكتاب. وليس في ذلك حديث صحيح عن المعصوم حتى نترك لأجله ظاهر الكتاب العزيز، ولا يفهم هذا من القرآن، بل المفهوم بل المنطوق بل النص عند التأمل على أنه إسماعيل [لقد فصلنا القول في هذا البحث في مكان آخر فلا نعلق هنا على ترجيح ابن كثير]. وما أحسن ما استدل به ابن كعب القرظي على أنه إسماعيل وليس بإسحاق من قوله: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}، قال: فكيف تقع البشارة بإسحاق وأنه سيولد له يعقوب، ثم يؤمر بذبح إسحاق وهو صغير قبل أن يولد له؟ هذا لا يكون، لأنه يناقض البشارة المتقدمة ... والله أعلم. وقد اعترض السهيلي على هذا الاستدلال بما حاصله أن قوله: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ} جملة تامة، وقوله: {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} جملة أخرى ليست في حيز البشارة. قال: لأنه لا يجوز من حيث العربية أن يكون مخفوضًا إلى أن يعاد معه حرف الجر، فلا يجوز أن يقال مررت بزيد ومن بعده عمرو، حتى يقال ومن بعده بعمرو. وقال: فقوله: {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ =