[ثم دخلت سنة ثمان وتسعين ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث]
[خبر محاصرة مسلمة بن عبد الملك القسطنطينية]
فذكر محمد بن عمر أنَّ ثور بن يزيد حدثه عن سليمان بن موسى.
قال: لما دنا مَسلَمة من قُسْطنْطينية أمر كلّ فارس أن يحمل على عَجْز فرسِه مُدْيين من طعام حتى يأتيَ به القُسْطَنطينية، فأمر بالطعام فألقى في ناحية مثل الجبال، ثمّ قال للمسلمين: لا تأكلوا منه شيئًا، أغيرُوا في أرضهم، وازدرعوا، وعمِل بيوتًا من خشب، فَشَتا فيها وزرَع الناسُ، ومَكث ذلك الطعام في الصحراء لا يكنُّه شيء، والناس يأكلون مما أصابوا من الغارات، ثمّ أكلوا من الزّرع، فأقام مَسلَمة بالقُسْطَنطينية قاهرًا لأهِلها، معه وجوهُ أهل الشام: خالد بن مَعْدان، وعبد الله بن أبي زكرياء الخُزاعيّ، ومجاهد بن جَبْر؛ حتى أتاه موتُ سليمانَ فقال القائل:
تْحمِل مُدْيَيْهَا ومُدْيَيْ مَسلَمهْ
(٦/ ٥٣٠)
حدّثني أحمد بن زُهير، عن عليّ بن محمد، قال: لما وليَ سليمانُ غزَا الرّومِ فنزل دابِق، وقدّم مسلَمة فهابَه الرّوم، فشَخص إليُونُ من أرْمينيَة، فقال لمَسلمة: ابعث إليّ رجلًا يكلّمني، فبعث ابن هُبيرة فقال له ابنُ هبيرة: ما تعُدّون الأحمَق فيكم؟ قال: الذي يملأ بطنه من كلّ شيء يَجِده، فقال له ابن هُبَيرة: إنّا أصحاب دين، ومِنْ ديننا طاعةُ أمرائنا؛ قال: صدقت، كنا وأنتم نُقاتِل على الدين ونَغضَب له، فأما اليومَ فإنا نُقاتِل على الغلبة والمُلْك، نُعطيك عن كلّ رأس دينارًا.
فرجع ابنُ هبيرة إلى الرّومِ من غده، وقال: أبى أن يَرضَى، أتيتُه وقد تغدَّى وملأ بطنه ونامَ، فانتَبَه وقد غَلب عليه البلغم، فلم يدرِ ما قلتُ.