لقد حُبسَتْ في كَرْبَلاءَ مطيتي ... وفي العَيْنِ حتى عاد غَثًا سمينُها
إذا زَحَلتْ من مَبْرَكٍ رجعَتْ لَه ... لعَمْرُ أبيها إنَّني لأهِينُها
ويمْنعُها من ماءِ كلِّ شريعةٍ ... رِفاق من الذِّبانِ زُرقٌ عيونها (١)
(٣: ٣٧٣).
حديث الأنبار -وهي ذات العيون- وذكر كَلْواذَى
١٥٩ - كتب إليّ السريّ عن شُعيب، عن سيف، عن محمَّد وطلحة، وأصحابهما، قالوا: خرج خالدُ بن الوليد في تعبيته الَّتي خرج فيها من الحيرة، وعلى مقدّمته الأقرعُ بن حابس. فلمَّا نزَل الأقرع المنزلَ الَّذي يُسلمه إلى الأنبار؛ أنتَجَ قومٌ من المسلمينَ إبلَهم، فلم يستطيعوا العُرْجة، ولم يجدوا بُدًّا من الإقدام، ومعهم بنات مَخَاض، تتبعهم. فلمَّا نودي بالرَّحيل؛ صَرُّوا الأمَّهات، واحتقبوا المنتوجات؛ لأنها لم تطقِ السَّيْر؛ فانتهوا ركبانًا إلَى الأنبار، وقد تحصّن أهلُ الأنبار، وخندقوا عليهم، وأشرفوا من حصنهم، وعلى تلك الجنود شيرزاذ صاحب ساباط -وكان أعقل أعجميّ يومئذ وأسودَه وأقنعَه في الناس: العرب والعجم- فتصايح عربُ الأنبار يومئذ من السُّور، وقالوا: صبَّح الأنبار شرٌّ؛ جَمَلٌ يحمل جُمَيْلَهُ وجملٌ تُرِبُّهُ عوذٌ. فقال شيرزاذ: ما يقولون؟ ففسَّر له، فقال: أمَّا هؤلاء فقد قَضَوْا على أنفسهم؛ وذلك: أن القوم إذا قضوْا على أنفسهم قضاءً كاد يلزمهم؛ والله لئن لم يكن خالد مجتازًا لأصالحنَّه؛ فبينا هم كذلك قدم خالد على المقدّمة, فأطاف بالخندق، وأنشب القتال؛ وكان قليل الصَّبْر عنه إذا رآه، أو سمع به؛ وتقدّم إلى رُماته، فأوصاهم وقال: إنِّي أرى أقوامًا لا علم لهم بالحرْب، فارموا عيونهم ولا تَوَخَّوْا غيرَها، فرموا رِشْقًا واحدًا، ثم تابعوا، ففقئ ألف عين يومئذ، فسُمّيت تلك الوقعة ذات العيون؛ وتصايح القوم: ذهبت عيون أهل الأنبار! فقال شيرزاذ: ما يقولون؟ ففسر له، فقال: آباذ آباذ. فراسل خالدًا في الصُّلْح على أمر لم يرضَه خالد، فردّ رسلَه، وأتى خالد أضيقَ مكان في الخندق بردايا الجيش فنحرها؛ ثم رمى بها فيه فأفعمه؛ ثم اقتحم الخندق - والردايا جسورهم - فاجتمع المسلمون والمشركون في الخندق. وأرَزَ القوم إلى