ممن كان مقيمًا بها، لما وصل إلى قلوبهم من الرَّهبة، وحدَثَت في حال صعوبة العلّة عليه حادثة في سلطانه، فأشار عليه مشيرون من أصحابه وثقاته بالرحلة عن معسكره إلى مدينة السلام، ويخلّف مَنْ يقوم مقامه؛ فأبى ذلك، وخاف أن يكون فيه ائتلاف ما قد تفرّق من شمل الخبيث، فأقام على صعوبة علّته عليه، وغلظ الأمر الحادث في سلطانه؛ فمنّ الله بعافيته، وظهر لقوّاده وخاصته؛ وقد كان أطال الاحتجاب عنهم، فقويَتْ بذلك مُنَّتُهم، وأقام متماثلًا مودّعًا نفسه إلى شعبان من هذه السنة، فلمّا أبلّ وقويَ على النهوض لحرب الفاسق، تيقظ لذلك، وعاود ما كان مواظبًا عليه من الحرب، وجعل الخبيث لمّا صحّ عنده الخبر عما أصاب أبا أحمد يعِدُ أصحابَه العِدات، ويمنّيهم الأمانيّ الكاذبة، وجعل يحلف على منبره - بعدما اتّصل به الخبر بظهور أبي أحمد وركوبه الشّذَا - أن ذلك باطلٌ لا أصل له، وأن الذي رأوه في الشذا مثال مُوِّه لهم وشبِّه لهم.
* * *
[ذكر عزم المعتمد على اللحاق بمصر](١)
وفيها في يوم السبت للنصف من جمادى الأولى، شخص المعتمد يريد اللّحاق بمصر، وأقام يتصيّد بالكُحَيْل، وقدم صاعدبن مخلَد من عند أبي أحمد؛ ثم شخص إلى سامُرّا في جماعة من القوّاد في جمادى الآخرة، وقدم قائدان لابن طولون - يقال لأحدهما: أحمد بن جبغَوَيْه وللآخر: محمد بن عباس الكلابيّ - الرّقة، فلما صار المعتمد إلى عمل إسحاق بن كنداج - وكان العاملَ على الموصل وعامّة الجزيرة - وثب ابن كنداج بمَن شخص مع المعتمد مِن سامُرّا يريد مصر، وهم تينك وأحمد بن خاقان وخطارمِش، فقيّدهم وأخذ أموالهم ودوابّهم ورقيقهم، وكان قد كتب إليه بالقبض عليهم وعلى المعتمد، وأقطع إسحاق بن كنداج ضياعهم وضياع فارس بن بغا.
وكان سبب وصوله إلى القبض على مَن ذكرتُ، أنّ ابن كنداج لما صار إلى عمله، وقد نفذت إليه الكتب من قِبَل صاعد بالقبض عليهم، أظهر أنه معهم، وعلى مثل رأيهم في طاعة المعتمد؛ إذ كان الخليفة، وأنه غير جائز له الخلاف