وهذا إن شاء الله ظاهر قوي، ويؤيده ما ثبت في الصحيحين من حديث سليمان بن مهران الأعمش، عن إبراهيم بن يزيد التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، قال: قلت: يا رسول الله ... أي مسجد وضع أول؟ قال: "المسجد الحرام"، قلت: ثم أي؟ قال: "المسجد الأقصى"، قلت: كم بينهما؟ قال: "أربعون سنة"، قلت: ثم أي؟ قال: "ثم حيث أدركت الصلاة فصل فكلها مسجد". وعند أهل الكتاب، أن يعقوب - عليه السلام - هو الذي أسس المسجد الأقصى، وهو مسجد إيليا ببيت المقدس شرفه الله. وهذا متجه ويشهد له لما ذكرناه من الحديث، فعلى هذا يكون بناء يعقوب - عليه السلام - وهو -إسرائيل- بعد بناء الخليل وابنه إسماعيل المسجد الحرام بأربعين سنة سواء. وقد قال بناؤهما ذلك بعد وجود إسحاق، لأن إبراهيم - عليه السلام - لما دعا، قال في دعائه كما قال تعالى: {وَإِذْ قَال إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦) رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوي إِلَيهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧) رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (٣٨) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٩) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (٤٠) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم: ٣٥ - ٤١]. وما جاء في الحديث من أن سليمان بن داود عليهما السلام، لما بينى بيت المقدس سأل الله خلالًا ثلاثة، كما ذكرناه عند قوله: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي}، -وكما سنورده في قصته- فالمراد من ذلك والله أعلم، أنه جدد بناءه كما تقدم من أن بينهما أربعين سنة، ولم يقل أحد إن بين سليمان وإبراهيم أربعين سنة سوى ابن حبان في تقاسيمه وأنواعه. وهذا القول لم يوافق عليه ولا سبق إليه.