ثم دخلت سنة ستِّين ومائة ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
[ذكر الخبر خلع عيسى بن موسى وبيعة موسى الهادي]
وفيها قدم عيسى بن موسى مع أبي هريرة يوم الخميس لستٍّ خلوْن من المحرّم - فيما ذكر - الفضل بن سليمان فنزل دارًا كانت لمحمد بن سليمان علي شاطئ دجْلة في عسكر المهديّ، فأقام أيامًا يختلف إلى المهديّ، ويدخل مدخله الذي كان يدخله؛ لا يكلَّم بشيء، ولا يرى جفوة ولا مكروهًا ولا تقصيرًا به؛ حتَّى أنس به بعض الإنس، ثم حضر الدار يومًا قبل جلوس المهديّ، فدخل مجلسًا كان يكون للربيع في مَقْصورة صغيرة، وعليها باب، وقد اجتمع رؤساء الشِّيعة في ذلك اليوم على خلعه والوثوب عليه؛ ففعلوا ذلك وهو في المقصورة التي فيها مجلس الرَّبيع، فأغلق دونهم المقصورة، فضربوا الباب بجرُزهم وعَمدهم؛ فهشَموا الباب، وكادوا يكسرونه، وشتموه أقبحَ الشَّتْم، وحصروه هنالك؛ وأظهر المهديّ إنكارًا لما فعلوا، فلم يردعهم ذلك عن فعلهم؛ بل شدُّوا في أمره؛ وكانوا بذلك هو وهم أيامًا، إلى أن كاشفه ذوو الأسنان من أهل بيته بحضرة المهديّ، فأبوا إلّا خلعَه، وشتموه في وجهه؛ وكان أشدّهم عليه محمَّد بن سليمان.
فلما رأى المهديّ ذلك من رأيهم وكراهتهم لعيسى وولايته؛ دعاهم إلى العهد لموسى، فصار إلى رأيهم وموافقتهم، وألحّ على عيسى في إجابته وإياهم إلى الخروج ممّا له من العهد في أعناق النَّاس وتحليلهم منه؛ فأبى؛ وذكر أن عليه أيمانًا محرّجة في ماله وأهله؛ فأحضر له من الفقهاء والقضاة عِدّة، منهم محمَّد بن عبد الله بن عُلاثة والزّنجيّ بن خالد المكيّ وغيرهما؛ فأتوهْ بما رأوا، وصار إلى المهديّ ابتياع ماله من البيعة في أعناق النَّاس بما يكون له فيه رضًا وعِوض؛ ممَّا يخرج له من ماله لما يلزمه من الحِنْث في يمينه؛ وهو عشرة آلاف ألف ألف درهم، وضياع بالزّاب الأعلى وكَسْكَر. فقبل ذلك عيسى، وبقي منذ فاوضه المهديّ على الخلع إلى أن أجاب محتسبًا عنده في دار الديوان من الرُّصافة إلى أن صار إلى الرضا بالخلع والتسليم، وإلى أن خُلع يوم الأربعاء لأربع بقِين من