في الصحيح أخرج البخاري في صحيحه عن أنس - رضي الله عنه - أتي عبيد الله برأس الحسين بن علي فجعل في طست فجعل ينكت وقال في حسنه شيئًا، فقال أنس كان أشبههم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان مخضوبًا بالوسمة. [صحيح البخاري / كتاب فضائل أصحاب النبي (ح ٣٧٤٨)]. ورواية أنس عند الطبراني (ح ٢٨٧٨) والبزار (ح ٢٦٤٩) بلفظ: "جعل ينكت بالقضيب ثناياه يقول: لقد كان أحسبه جميلًا فقلت: والله لأسؤونك إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلثم حيث بقع قضيبك، قال: فانقبض". قال الهيثمي: رواه البزار والطبراني بأسانيد ورجاله وثقوا. [مجمع الزوائد (٩/ ١٩٥)]. خلاصة القول: من الثابت تاريخيًا أن الرأس الشريف وضع بين يدي الفاسق عبيد الله بن زياد، وأما إرساله إلى يزيد ووضعه بين يديه فلم يثبت من طريق موصول صحيح. وإنما ورد في مرسل الليث بن سعد، ومن طريق الحصين عن رجل أبهم اسمه (مولى لمعاوية)، ورواية ثالثة عند الطبراني من طريق فيه مجهول الحال وآخر ضعيف جدًّا، ورواية رابعة عند ابن أبي الدنيا ذكرها ابن كثير [البداية والنهاية (٦/ ٤١١)] بإسناد فيه مجهول وآخر (سالم بن أبي حفصة) قال النسائي والدولابي: ليس بثقة وقال ابن حبان يقلب الأخبار ويهم في الروايات (المجروحين (١/ ٣٤٢) هذا بالإضافة إلى غلوه في التشيع كما قال ابن سعد في طبقاته (٦/ ٣٣٦) وهذا حال أقل الروايات الموصولة ضعفًا في هذه المسألة فما بالك بروايات أبي مخنف التالف الهالك الوضاع؟ والحق يقال: أننا لم نجد رواية موصولة صحيحة السند تثبت أن رأس الحسين وضع بين يدي يزيد إلّا أن كتب التاريخ تذكر ذلك ووردت بذلك آثار غير صحيحة الإسناد. ولعل ذلك دفع الحافظ الناقد ابن كثير رحمه الله إلى إبداء قولين أو رأيين في هذه المسألة فهو يقول تارةً: والصحيح أنه لم يبعث برأس الحسين إلى الشام (٦/ ٣٧٥) ويقول تارة أخرى: وقد اختلف العلماء بعدها في رأس الحسين هل سيره ابن زياد إلى الشام أم لا؟ على قولين: الأظهر منهما أنه سيره إليه وقد وردت في ذلك آثار كثيرة والله أعلم. [البداية والنهاية (٦/ ٤١١)]. قلنا: ولم نجد فيما بين أيدينا من المصادر التاريخية روايةً ولو واحدة موصولة السند صحيحة تثبت ذلك. بل إن الرواية الصحيحة - التي سنذكرها بعد قليل - عن شاهد عيان ثقة (هو الإمام زين العابدين) تؤكد أنهم دخلوا على يزيد وليس فيه ذكر إدخال الرأس الشريف، ولذلك فإننا نرجح القول الأول لابن كثير وهو أنه لم يبعث برأس الحسين إلى الشام. =