قال أبو عبيد: ألم أعلمكم أني لستُ آكلًا إلّا ما يسع مَن معي ممّن أصبتم بهم! قالوا: لم يبقَ أحدٌ إلّا وقد أتى بشبعه من هذا في رحالهم وأفضل. فلمَّا راح النَّاس عليه سألهم عن قرى أهلِ الأرض فأخبروه، وإنما كانوا قصَّروا أوّلًا تربُّصًا ومخافة عقوبة أهل فارس. وأمَّا محمد وطلحة وزياد فإنهم قالوا: فلمَّا علم قَبِل منهم، وأكل وأرسل إلى قوم كانوا يأكلون معه أضيافًا عليه يدعوهم إلى الطعام، وقَد أصابوا من نُزل فارس ولم يروْا أنّهم أتوا أبا عبيد بشيء فظنّوا أنهم يُدْعَون إلى مثل ما كانوا يُدعون إليه من غَليظ عيش أبي عبيد؛ وكرهوا تَرْك ما أتوا به من ذلك؛ فقالوا له: قل للأمير؛ إنَّا لا نشتهي شيئًا مع شيء أتتنا به الدهاقين؛ فأرسل إليهم: إنَّه طعام كثير من أطعمة الأعاجم؛ لتنظروا أين هو مما أتيتم به! إنه قَرْو ونجم وجوزل وشواء وخردل، فقال في ذلك عاصم بن عمرو وأضيافه عنده:
إن تَكُ ذا قَرْوٍ ونَجْمٍ وجَوْزَلٍ ... فعِندَ ابنِ فَرُّوخِ شواءٌ وخَرْدَلُ
وقَرْوٌ رقاق كالصَّحائِفِ طُوِّيَتْ ... على مُزَعٍ فيها بقُولٌ وجَوْزَلُ
وقال أيضًا:
صَبَحْنا بالبَقايسِ رَهْط كِسرَى ... صبُوحًا ليس من خَمرِ السَّوادِ
صَبَحْناهُمْ بكلِّ فتى كمِيّ ... وأجْرَدَ سابحٍ من خَيْلِ عادِ
ثم ارتحل أبو عُبيد، وقدم المثنَّى، وسار في تعبيته حتى قدم الحيرة. وقال النَّضر ومجالد ومحمد وأصحابه: تقدم عمر إلى أبي عُبيد، فقال: إنَّك تقدم على أرض المكْر والخديعة والخيانة والجَبريَّة، تقدم على قوم قد جرؤوا على الشرّ فعلموه، وتناسوا الخير فجهلوه، فانظر كيف تكون! واخزُن لسانك، ولا تفشينّ سرّك؛ فإنّ صاحبَ السرّ ما ضبطه متحصّن، لا يؤتَى من وجْه يكرهه؛ وإذا ضيّعه؛ كان بمضيعة (١). (٣: ٤٥٣/ ٤٥٤).
وقعة القَرْقس
٢١١ - كتب إليّ السريّ عن شعيب عن سيف، عن رجل، عن أبي عثمان النّهديّ، قال: هلك يومئذ أربعة آلاف بين قتيل وغريق؛ وهرب ألفان، وبقيَ ثلاثة آلاف، وأتى ذا الحاجب الخبرُ باختلاف فارس؛ فرجع بجنده؛ وكان ذلك