للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي أنا مُسْنِدُها إلى رُواتِها فيه، دون ما أُدْرِكَ بحججِ العقول، واستُنْبِط بفكر النفوس إلا اليسير القليل منه، إذ كان العلم بما كان من أخبار الماضين، وما هو كائن من أنباء الحادثين غير واصل إلى من لم يشاهدهم، ولم يُدْرك زمانهم، إلا بإخبار المخْبرين، ونقل الناقلين، دون الاستخراج بالعقول، والاستنباط بفكر النفوس، فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لم يَعرف له وجهًا في الصحة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يُؤتَ في ذلك من قِبَلنا، وإنما أوتي من قِبَل بعض ناقليه إلينا، وإنَّما أدَّينَا ذلك على نحو ما أُدِّي إلينا" (١).

وبالتأمل في هذه المنهج المحدد، وبالرجوع إلى نصوص "تاريخ الأمم والملوك" استخرج علماء التاريخ منهج الطبري في التاريخ، وأبدوا عليه المآخذ والملاحظات.

وسبق البيان أن تاريخ الطبري ينقسم إلى قسمين رئيسين، تاريخ قبل الإِسلام، وتاريخ بعد الإِسلام، ولكل قسم منهجه وطبيعته، كما سنبيِّنه إن شاء الله تعالى.

(ثانيًا): سمات منهج الطبري في "التاريخ" قبل الإسلام:

ويتضمن هذا القسم مقدمة عن الكون والزمان وخلق إبليس وآدم وتاريخ البشرية منذ هبوط آدم إلى الأرض، وتاريخ الأنبياء والفرس والروم والعرب قبل البعثة النبوية.

وجعل الطبري في هذا القسم تاريخ الأنبياء هو المنطلق لتاريخ الإنسانية، فيذكر النبيَّ ومن يعاصره من الأمم والملوك، والمقارنة بين الدول.

ولم يرتِّب الطبري الحوادث على حسب وقوعها سنة فسنة، لأن ذلك غير ممكن له، وإنما قلَّد طريقة علماء التوراة بالبدء بالخليقة، ثم بذكر تاريخ الأنبياء على حسب ما ورد في التوراة، وفي أثناء ذلك يتعرَّض للحوادث التي وقعت في أيام كل نبيّ، ويذكر الملوك والحكّام الذين كانوا يعارضونهم، وما جرى بينهم


(١) تاريخ الطبري ١/ ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>