سهل؛ فلمّا فعل ذلك تحدّث الناس بالعراق بينهم أن الفَضْل بن سهل قد غلب على المأمون، وأنه قد أنزله قصرًا حجبه فيه عن أهل بيته ووجوه قوّاده من الخاصّة والعامة، وأنه يُبرم الأمور على هُواه، ويستبد بالرأي دونه، فغضب لذلك بالعراق مَنْ كان بها من بني هاشم وجوه الناس، وأنفوا من غلبَة الفضل بن سهل على المأمون، واجترؤوا على الحسن بن سهل بذلك، وهاجت الفتن في الأمصار؛ فكان أوّل مَنْ خرج بالكوفة ابن طباطبا الذي ذكرت.
وقيل كان سبب خروجه أن أبا السّرايا كان من رجال هَرْثمة، فمطله بأرزاقه وأخّره بها، فغضب أبو السرايا من ذلك، ومضى إلى الكوفة فبايع محمد بن إبراهيم وأخذ بالكوفة، واستوسق له أهلها بالطاعة، وأقام محمد بن إبراهيم بالكوفة، وأتاه الناس من نواحي الكوفة والأعراب وغيرهم (١).
ذكر الوقعة بين أهل الكوفة وزهير بن المسيّب
وفيها وجّه الحسن بن سهل زُهير بن المسيّب في أصحابه إلى الكوفة - وكان عامل الكوفة يومئذ حين دخلها ابن طباطبا سليمان بن أبي جعفر المنصور من قبَل الحسن بن سهل، وكان خليفة سليمان بن أبي جعفر بها خالد بن محجّل الضبّيّ - فلما بلغ الخبر الحسن بن سهل عنّف سليمان وضعّفه، ووجّه زهير بن المسيّب في عشرة آلاف فارس وراجل؛ فلما توجّه إليهم وبلغهم خبرُ شخوصه إليهم تهيَّئوا للخروج إليه؛ فلم تكن لهم قوّة على الخروج، فأقاموا حتى إذا بلغ زهير قرية شاهى خرجوا فأقاموا حتى إذا بلغوا القنطرة أتاهم زُهير، فنزل عشية الثلاثاء صعْنبا، ثم واقعهم من الغد فهزموه واستباحوا عسكره، وأخذوا ما كان معه من مال وسلاح ودوابّ وغير ذلك يوم الأربعاء.
فلما كان من غد اليوم الذي كانت فيه الوقعة بين أهل الكوفة وزهير بن المسيّب - وذلك يوم الخميس لليلة خلت من رجب سنة تسع وتسعين ومائة -
(١) هذان سببان ذكرهما الطبري لتمرد أبي السرايا وخروجه على الخلافة وقد ذكر ابن قتيبة الدينوري فحوى السبب الثاني فقال: وكان أبو السرايا مع هرثمة من أصحابه فمنعوه أرزاقه فغضب وخرج حتى أتى الأنبار .. الخ (المعارف ١٩٦).