عبد الرحمن بن الضحاك كان فتىً شابًّا، فقال: إنَّ الضحاك بن قيس قد كان دعا قيسًا وغيرَها إلى البيعة لنفسه، فبايعهم يومئذ على الخلافة، فقال له زُفَر بن عقيل الفِهريّ: هذا الذي كنا نعرف ونسمع، وإنّ بني الزبير يقولون: إنما كان بايع لعبد الله بن الزبير، وخرج في طاعته حتى قتل، الباطلَ والله يقولون؛ كان أوّل ذاك أنّ قريشًا دعتْه إليها، فأبى عليها حتى دخل فيها كارهًا. (٥: ٥٣٥).
ذكر الخبر عن الوقعة بمرج راهط بين الضحَّاك بن قيس ومروان بن الحكم وتمام الخبر عن الكائن من جليل الأخبار والأحداث في سنة أربع وستين
قال أبو جعفر: حدّثنا نوح بن حبيب، قال: حدّثنا هشام بن محمَّد، عن عوانة بن الحَكم الكلبيّ، قال: مال الضحاك بن قيس بمن معه من الناس حين سار يريد الجابية للقاء حسَّان بن مالك، فعَطَفهم، ثمّ أقبل يسير حتى نزل بمرْج راهط، وأظهر البيعة لابن الزبير، وخلع بني أميَّة، وبايعه على ذلك جُلّ أهل دمشق من أهل اليمن وغيرهم.
قال: وسارت بنو أميّة ومَن تبعهم حتى وافَوا حسّانَ بالجابية، فصلّى بهم حسّان أربعين يومًا، والناس يتشاورون، وكتب الضحاك إلى النعمان بن بشير وهو على حِمْص، وإلى زُفر بن الحارث وهو على قِنَّسرين، وإلى ناتل بن قيس، وهو على فِلسطين يستمدّهم، وكانوا على طاعة ابن الزبير، فأمدّه النعمان بشُرَحبْيل بن ذي الكلَاع، وأمدّه زُفَر بأهل قنَّسْرِين، وأمدّه ناتل بأهل فلَسطين، فاجتمعت الأجناد إلى الضحاك بالمرْج.
وكان الناس بالجابية لهم أهواء مختلفة، فأمَّا مالك بن هبيرة السَّكُونيّ فكان يَهَوى هوى بني يزيد بن معاوية، ويحبّ أن تكون الخلافة فيهم، وأما الحصين ابن نمير السَّكونيّ فكان يهوَى أن تكون الخلافة لمروانَ بن الحكم، فقال مالك ابن هبيرة لحصين بن نمير: هلمّ فلنبايع لهذا الغلام الذي نحن ولدنا أباه، وهو ابن أختنا، فقد عرفت منزلتنا كانت من أبيه، فإنَّه يحملنا على رقاب العرب غدًا - يعني: خالد بن يزيد - فقال الحصين: لا، لعمر الله! لا تأتينا العرب بشيخ ونأتيهم بصبيّ؛ فقال مالك: هذا ولم تردى تهامة، ولما يَبلُغ الحزامُ الطُّبيين.