للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= رضي بذلك التحاكم وعدّه فتحًا كما في آخر رواية ابن أبي شيبة فقال علي -في صفين-: أيها الناس! إن هذا فتح.
وهذا تكذيب لروايات أبي مخنف المفتراة التي تزعم: أن عليًّا أكره على قبول التحكيم وعلى هذه الروايات المختلفة اعتمد المستشرقون وغيرهم، وما دروا وما أدركوا نظرة سيدنا علي لطبيعة القتال في صفين وحرصه الشديد على حقن دماء المسلمين حتى ولو كلّفه ذلك حياته الخاصة، كما بينت رواية أخرى لابن أبي شيبة في مصنفه (١٥/ ٢٩٣) عن أبي صالح: أن عليًّا قال لأبي موسى: احكم ولو يحزّ عنقي ...
١٠ - وقد راجت واشتهرت قصة لقاء أبي موسى وعمرو بن العاص ثم احتيال عمرو على أبي موسى الأشعري وانخداع أبي موسى وخلعه لصاحبه علي وتثبيت عمرو لصاحبه معاوية، وكل ذلك كذب مفترى لا أساس له من الصحة، ولقد نبه القاضي أبو بكر بن العربي على كذب من قال بهذه القصة وكذلك غيره، والعجيب: أن المستشرق الألماني المشهور بروكلمان والمعروف بتحريفه للتأريخ الإسلامي شكك في صحة هذه القصمة بينما يدندن حولها دعاة التغريب وأصحاب البدع، فقد قال بروكلمان في كتابه (تأريخ الشعوب الإسلامية / ١١٨): (ومع أن هذه الحادثة قد تكون وهمية).
وقد ذكرنا الروايات التأريخية في ذلك وبيّنا ضعفها الشديد في قسم الضعيف فإذا كان ذلك غير صحيح وغير واقع، فما الذي جرى إذًا من الحوار بين أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص رضي الله عنهما؟ هذا ما سنبينه إن شاء الله الآن:

حقيقة ما دار بين أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص في وقعة صفين
١١ - أخرج ابن عساكر في تأريخ دمشق (١٣/ ٢٦٢) والبخاري في التاريخ الكبير مختصرًا عن الحصين بن المنذر: أن معاوية أرسله إلى عمرو بن العاص فقال له: إنه بلغني عن عمرو بعض ما أكره، فائته فاسأله عن الأمر الذي اجتمع عمرو وأبو موسى فيه كيف صنعتما فيه؟ قال (أي: عمرو بن العاص): قد قال الناس، وقالوا، ولا والله ما كان ما قالوا، ولكن اجتمعت أنا وأبو موسى قلت له: ما ترى في هذا الأمر؟ قال: أرى: أنه في النفر الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض. قال فقلت: أين تجعلني من هذا الأمر ومعاوية؟ قال: إن يستعن بكما ففيكما معونة، وإن يستغن عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكما) وقال المحقق (د. يحيى اليحيى): رجاله ثقات (مرويات أبي مخنف / ٤٠٨).
١٢ - وهكذا فلا أصل لكون أبي موسى رجلًا ضعيفًا خُدعَ من قبل الداهية عمرو بن العاص الذي أخفى شيئًا وأعلن الآخر. فلا أبو موسى ضعيف ولا عمرو بن العاص مراوغ حاشاهما أن يكونا كذلك كما قال ابن العربي: وكان أبو موسى رجلًا تقيًّا ثقفًا عالمًا حسبما بيناه في كتاب سراج المريدين: أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن مع معاذ وقدمه عمر وأثنى عليه بالفهم، =

<<  <  ج: ص:  >  >>