[ذكر فعل صالح بن وصيف مع أحمد بن إسرائيل ورفيقيه](١)
وفيها أخذ صالح بن وصيف أحمد بن إسرائيل والحسن بن مخْلد وأبا نوح عيسى بن إبراهيم فقيَّدهم، وطالبهم بأموال؛ وكان سبب ذلك - فيما ذكر - أن هؤلاء الكتّاب الذين ذكرتُ كانوا اجتمعوا يوم الأربعاء لليلتين خَلَتَا من جمادى الآخرة من هذه السّنة على شراب لهم يشربونه، فلمّا كان يوم الخميس غد ذلك اليوم، ركب ابن إسرائيل في جَمْع عظيم إلى دار السلطان التي يَقْعُد فيها، وركب ابن مخْلد إلى دار قَبيحة أمّ المعتزّ - وهو كاتبها - وحضر أبو نوح الدّار، والمعتز نائم؛ فانتبه قريبًا من انتصاف النهار، فأذن لهم، فحمل صالح بن وصيف على أحمد بن إسرائيل، وقال للمعتزّ: يا أمير المؤمنين؛ ليس للأتراك عطاء ولا في بيت المال مالٌ، وقد ذهب إلى إسرائيل وأصحابه بأموال الدنيا، فقال له أحمد: يا عاصي يا بن العاصي! ثم لم يزالا يتراجعان الكلام حتى سقط صالح مغشيًّا عليه، فرُشّ على وجهه الماء، وبلغ ذلك أصحابه وهم على الباب، فصاحوا صيحةً واحدة، واخترطُوا سيوفَهم، ودخلوا على المعتزّ مُصْلِتين؛ فلما رأى ذلك المعتزّ دخل وتركهم، وأخذ صالح بن وصيف ابنَ إسرائيل وابنَ مخلد وعيسى بن إبراهيم فقيّدهم، وأثقلهم بالحديد، وحملهم إلى داره، فقال المعتزّ لصالح قبل أن يحملهم: هَبْ لي أحمد؛ فإنه كاتبي؛ وقد ربّاني؛ فلم يفعل ذلك صالح، ثم ضرب ابن إسرائيل؛ حتى كسرت أسنانُه، وبطح ابن مخْلد فضُرِب مئة سوط؛ وكان عيسى بن إبراهيم محتجِمًا فلم يزل يُصفع حتى جرَت الدماء من محاجمه؛ ثم لم يُتركوا حتى أخِذت رقاعهم بمالٍ جليل قُسّط عليهم.
وتوجّه قوم من الأتراك إلى إسكاف ليأتوا بجعفر بن محمود، فقال المعتزّ: أمّا جعفر فلا أرَبَ لي فيه ولا يعمل لي، فمضوا، فبعث المعتزّ إلى أبي صالح عبد الله بن محمد بن يزداد المروزيّ، فحمِل ليصيّره وزيرًا، وبعث إلى إسحاق بن منصور، فأشخص وبعثت قبيحة إلى صالح بن وصيف في ابن إسرائيل: إمّا حملتَه إلى المعتزّ وإما ركبتُ إليك فيه.
(١) انظر المنتظم (١٢/ ٧٩) فقد ذكر ابن الجوزي الخبر مختصرًا جدًّا.