لقد ذكرنا الروايات في قصة أيوب في قسم الضعيف فليس فيها ما صح سنده وسنذكر هنا ما صح من أحاديث مرفوعة في قصة أيوب - عليه السلام - ولم يذكرها الطبري في تأريخه: فقد أخرج البخاري في صحيحه / كتاب الأنبياء / باب قوله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} ح / ٣٣٩١ وأحمد (ح ٨١٦٥) عن أبي هريرة مرفوعًا (بينما أيوب يغتسل عريانًا خر عليه جراد من ذهب فجعل يحثي في ثوبه فناداه ربه عزَّ وجلَّ: يا أيوب، ألم أكن أغنيتك عمّا ترى؟ قال: بل يا رب ولكن لا غنى لي عن بركتك). وفي رواية أخرى لأحمد من حديث أبي هريرة مرفوعًا: (لما عافى الله أيوب - عليه السلام - أمطر عليه جرادًا من ذهب فجعل يأخذ بيده ويجعل في ثوبه قال: فقيل له يا أيوب أما تشبع؟ ! قال: يا رب ومن يشبع من رحمتك). وقال ابن كثير: رواه ابن حبان في صحيحه عن عبد الله بن محمد الأزدي عن إسحاق بن راهويه عن عبد الصمد به، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة وهو على شرط الصحيح والله أعلم. (البداية والنهاية ١/ ٣١١).
نَبيُّ اللهِ أيوب - عليه السلام - وهو من الأنبياء المنصوص على الإيحاء إليهم في سورة النساء في قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَينَا إِلَيكَ كَمَا أَوْحَينَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَينَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ} [النساء: ١٦٣]. قال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَينَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء: ٨٣ - ٨٤]. وقال تعالى في سورة ص: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (٤١) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (٤٢) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (٤٣) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: ٤١ - ٤٤].
[ابتلاؤه بالمرض]: وابتلي في جسده بأنواع من البلاء، وهو في ذلك كله صابر محتسب، ذاكر الله عزَّ وجلَّ في ليله ونهاره وصباحه ومسائه. وطال مرضه حتى عافه الجليس، وأوحش منه الأنيس، وانقطع عنه الناس، ولم يبق أحد يحنو عليه سوى زوجته، كانت ترعى له حقه، وتعرف قديم إحسانه إليها وشفقته عليها. فكانت تتردد إليه فتصلح من شأنه، وتعينه على قضاء حاجته، وتقوم بمصلحته، رضي الله =