وبعد: فقد قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا}، وفي قراءة "فتثبتوا"[الحجرات: ٦].
في هذه الآية أصل عظيم من الأصول التي اعتمدها أئمة الحديث - فإن كان الرجل المعروف في ذلك الوقت ... لا يؤخذ بخبَره لأنه فاسق؛ فكيف تعتمد على مجهول العين حين يرويَ لنا خبرًا يتهم فيه أئمة أهل البيت أو خليفة المسلمين بشربِ الخمر وما إلى ذلك؟
ولو كان الأمر متوقفًا عند هذا الحدّ لكان الأمر أهون ولكن مجهول العين هذا يروي عن مجهول الحال مثلًا (كاتب لصاحب الخراج وما إلى ذلك اسمه فلان من البلدة الفلانية).
وبالأسانيد (المسلسلة بمجاهيل العين والحال) جاءت الأخبار في اتهام الخلفاء بتهم لا تصح ولم تثبت من طريق ولو ضعيف وقد تبيّن لي من خلال تخريجي للروايات التأريخية المتعلقة بهذه المرحلة الهامة من تأريخ الخلافة أن الخليفة المهدي والهادي وهارون الرشيد وغيرهم. بريئون من كل تلك التهم والأباطيل من اللهو والشرب وما إلى ذلك وبالأخص فإن المهدي والرشيد كانا قد قضيا مدة حكمهما بين غزوٍ وحجّ وتثبيت لأركان الخلافة ولم أجد ما يؤخذ عليهما (في سيرة حكمهما). سوى ما ابتدعاه من البحبحة في الإنفاق وإن كنت لم أجد من بين تلك الروايات ما هو صحيح السند في تثبيت إسرافهم في الإِنفاق على